واع/رواتبنا .. بين حانة ومانة/اراء حرة/عبد الساده البصري

منذ أن وعيتُ على الدنيا في أوائل ستينات القرن الماضي ولغاية أحالته على التقاعد في أوائل السبعينات لم أرَ أبي يومياً متذمراً أو مستاءً بسبب تأخر راتبه الشهري كونه عاملاً في الميناء ، بل كان يستلمه في الوقت المحدد دائماً ، كما لم أقرأ أو أسمع عن موظفي دولة ما قد توقّفت رواتبهم أو تأخرت عن موعدها كل شهر ، أو تم التلاعب بها ، سوى في بلدي !!
في الثمانينات وعند اشتعال الحرب الملعونة أخذ النظام الفاشي يتحجج على العمال والموظفين بعدة حجج ، منها إلغاء صفة العمال وتحويلهم إلى موظفين لإضاعة الفرصة عليهم في المطالبة بأدنى حقوقهم ، كذلك الموظفين وحججه عليهم بالاستقطاعات ضمن المجهود الحربي وما شابه ذلك ، بعدها حصار التسعينات الذي أودى بأحلامهم وجعلهم يتضورون وعوائلهم على أرصفة الجوع والعوز والمرض ، ليأتي التغيير الذي حلمنا به عند سقوط النظام الفاشي ، لكن بشكل مغاير لكل أحلامنا ، حيث أصبحت رواتب الموظفين في زورق تتقاذفه أمواج المتحكمين الفاسدين المتصارعين على الكراسي والمناصب ، بين أهواء وأمزجة هؤلاء ضاعت مصائر ولقمة عيش الملايين من العوائل التي تنتظر الراتب بصبر أيوب !!
تغيّر سعر صرف الدولار وتضخّم السوق وارتفعت التكاليف ، و نسبة الرواتب ايضاً ، وصدر سلّم للرواتب متهرئ الدرجات على وفق مزاج هذا وذاك ، دون أدنى دراسة علمية دقيقة وبضمير حيّ ،هل سارت الأمور كما نريد ؟! لا أبداً ، صار الموظف يعاني الأمرّين بين قرارات تأخذه كالأعاصير ترمي به يمينا وشمالا ، موازنة انفجارية ، وسعر خيالي لبيع النفط ، وارتفاع كبير في الأسعار والراتب كما هو ، ثم موازنة مترنحة ومرتبكة وهبوط سعر النفط إلى أدنى المستويات واستقطاع نسب من راتب الموظف دون أدنى حق ، وكأنه المسؤول الأول والأخير عن زعزعة الاقتصاد الوطني ؟! الموظف هو الوحيد المتضرر دائما سواء انتعش الاقتصاد أو ضعف !! والطامة الكبرى اليوم حيث ينتظر الملايين على جمر اللظى رواتبهم دون أدنى بارقة أمل بتحسن الوضع نهائياً ، إذ صاروا بين مطرقة المصارف وسندان بطاقات الكي والماستر كارد ، يقفون عاجزين أمام انهيار اقتصادي لا ناقة لهم فيه ولا جمل ، فقط عليهم أن يتلقوا الصدمات والخسارات دون غيرهم !! رواتب خيالية لدرجات وظيفية ما انزل الله بها من سلطان وأسماء فضائيين لا حصر لها ، كلها لم تعانِ أبداً ، الوحيد الموظف وراتبه بين حانة ومانة ضائع لا يعرف أين يقر به القرار في بلد تتناهبه ضمائر ماتت ونفوس علاها صدأ الفساد !!!