واع / ابنيــة بغـــداد التاريخيــة…معالـم انسانية خالــدة لابد من ادامتها .!

واع /ايمان الجنابي

كلما شدني الحنين الى بغداد الحبية اجد ضالتي في الكتابة عنها وعن الحنين لها وخاصة الاطلاع على اخر المستجدات في اعمارها وتاهيلها كما يتطلب الامر..لانها عاصمتنا وتالقنا وتاريخنا وناسها اللذين تركوا بصمة بل بصمات في تشييدها وادامتها لانها فريدة في كل شئ وهي في نفس الوقت ذات طابع خاص ونكهة عراقية لامثيل لها في بلاد العالم اجمع ، ورغم تعرضها للإهمال، فإنها تمثل شاهدا على تاريخ الأقدمين وراصدا لتغيرات كثيرة شهدتها البلاد العظيمة..
بالرغم من متابعاتي ملاحظاتي حولها ،في زيارتي الاخيرة لبغداد، وجدت ان هناك اهتمام من قبل امانة بغداد في زيارتي مؤخرا للعاصمة بغداد هو اعادة اعمارها وخاصة المجمع الحكومي القديم في منطقة ( القشلة) حيث مقر الحكومة العراقية انذاك ، وماشملها من عمران واضح وتحديث ابنيتها مع الاخذ بنظر الاعتبار قدمها وشخصيتها التي كانت الحكايات والقصص تدور حولها، حيث تغلغلت بمسامات جدران البيوت والمباني العتيقة، وباتت مرآة تعكس تغيرات بغداد وذوق سكانها وتحولاتهم الاجتماعية والفكرية والثقافية، وتحمل مضمونا جماليا يمثل ما كانت عليه المدينة التي تنام على جانبي دجلة رغم الإهمال والتآكل وعمليات الهدم وتصدعات الزمن..وهذا هو موضوعنا اليوم الذي يتعلق بالابنية والدور القديمة التي سكنها ابائنا واجدادنا وقسم كبير منها يشكل معلما عمرانيا تراثيا بغداديا عراقية وعالميا ..
كانت لنا جولة في بعض المناطق القديمة ومنها منطقة ( الميدان ) وخاصة في منطقة ( الصابونجية ) والتي اكل الدهر في بنيانها وبقت بعضا من دورها الكبيرة والتراثية التي سكنها ملوك ووشخصيات بغداد في تلك الحقبة الزمنية التي عاشها ابائنا ، وكانت فرصة ان التقي احد الرجال القدماء وهو الحاج ابراهيم وهو يسكن فيها منذ ولادته وماتبقى منها يشكل نبض حياته فيقول لواع: كانت هذه المنطقة من اقدم مناطق بغداد في جانب الرصافة كونها مقرا للحكومة العراقية ابان الانتداب البريطاني وماتلاها من ثورات ومتغيرات الا انها بقيت بيوت تسكنها العوائل البغدادية ومنها شخصيات من الحكومة انذاك ومنهم وزراء ومسؤولي دوائر حكومية ونواب وغيرهم من باشوات المجتمع البغدادي ، وبمرور الزمن وتقادم الايام والسنين تغيرت المنطقة واصبحت منطقة مهملة من كل النواحي حتى بدات العوائل الراقية تبتعد عنها وتلجا الى البناء في امكان كثيرة من بغداد وكما اصبحت اليوم من تونع الشوارع والحدائق والمتنزهات وانتشار وسائل النقل المختلفة بعدها.
وحول البنيان فيها وطرق استخدام المواد الاولية اوضح الحاج ابراهيم لواع : سابقا كانت البيوت البغدادية القديمة تتشابه بغداد في تفاصيل رئيسية بتصاميمها وبجماليتها ودقة تفاصيلها وطرق بنائها، واكثر تلك المواد المستخدمة في البناء كانت ( الاخشاب)! حيث يعد الخشب عنصرا رئيسيا في بناء هذه البيوت للسيطرة على متغيرات الطقس وتفاوت درجات الحرارة والامطار وتكوين الدعامات الأساسية،وخاصة أن معظم البيوت البغدادية تحتوي على ( الحوش) والذي يتوسط كل بناء وهو عبارة عن فسحة كبيرة تتوسط المنزل وتوزع الغرف على جوانبه، اضافة الى المطبخ في الطابق الاول منه،
ويؤكد الحاج :كانت التصاميم في وقتها تقع ضمن مهندسين ومختصين حيث يتم التصميم الاساسي لها بحساب التهوية واتجاه الشمس والاعتماد على التهوية والاعتماد على تاسيس ( السرداب ) الذي يدخل الأقبية ليبرد ويصعد نحو (الحوش ) ويسهل عملية التهوية بمواصفات لاتقل اهمية عن بناء هذا الوقت مع ملاحظاتي وقناعتي بالكثير من الملاحظات الفنية المتعلقة بالبناء وتافصيله المختلفة ! مسببا عملية تهوية مستمرة، وفي الشتاء يحدث العكس حيث يحتمي الأهالي بالطابق الثاني من أجل التدفئة.
مضيفا بقوله : بصراحة ان بناء البيوت انذاك افضل بكثير من البناء في هذا الزمن لان هذا الزمن يخلوا من الاسطوات الحقيقيين ةاللذين يبذلون المجهود في البناء وعملية تاسيس كل دار بمواصفات متكاملة قلما نراها اليوم !!، إلى جانب ذلك وبصراحة فان نظام هذه البيوت بيئي ومتكامل، وناجح من خلال عناصر عدة، منها ( الشناشيل) التي تضفي الجمالية على الواجهة والخصوصية للعوائل، وتمد الأزقة بالظلال في أغلب أوقات النهار.
وعن المؤثرات السلبية في البناء اليوم وسبب اندار تلك البيوت وسط زحام الدلالين وطموحهم الجامح للكسب السريع بعيدا عن الامان والجمالية وفي زمننا كان بناء الدار لايخلوا من قمة الهندسة وتفاصيلها بالرغم من عدم وجود اجهزة ومعدات كهربائية ويدوية مختلفة تسهل عملية البناء بكل التفاصيل ! حيث لاي دار يتم بنائه في هذا الزمن الصعب! ولقد ادى مع الاسف استحداث الشوارع ودخول أنظمة بناء جديدة إلى تحويل معظم هذه البيوت والمباني إلى مجرد ديكورات، خصوصا بعد هجرة أهاليها، إضافة إلى أن استمرار الإهمال دون عمليات منظمة لإعادة بنائها أو ترميمها يهدد باختفاء آثار هذه البيوت ويجعلها جزءا من الماضي خلال سنوات معدودة..ويمنكم ان تلاحظوا مابقى من هذه الدور الان والتي تفتقر الى الاهتمام من قبل الدولة والجهات المعنية سواء الامانة او الدوائر التراثية المعنية في وزارة الثقافة والسياحة والاثار.؟؟
ويحدثنا احد موظفي الامانة عن هذا الموضوع بقوله :ان امانة بغداد لاتقصر من جانبها في هذا الموضوع المهم في الاحتفاظ بتراثنا وتاريخنا القديم في موضوع الابنية والدور التراثية وغير التراثية! واو الاشارة الى الأحياء التي تكثر فيها البيوت التراثية القديمة أو ما تبقى منها أصبحت ( شعبية ) و ( مهملة) ! ومنها مناطق ( الرحمانية والبتاوين وباب الشيخ وأبو نواس والحيدرخانة والفضل والصدرية ومناطق أخرى من العاصمة بغداد وكذلك الحال لمحافظات العراق الاخرى! وأن العدد الكلي للمباني والبيوت القديمة غير معروف، وتعرض أغلبها للهدم والتخريب والبيع بطرق مشبوهة لاستغلال أراضيها للبناء الحديث.
المواطن سالم ابو احمد من اهالي الشواكة يقول لواع : معظم بيوتنا كانت تراثية ومتينة وقوية بالرغم من قدمها ولكن وبعد عام الاحتلال 2003 فقد تجاوز عدد البيوت التراثية وغير التراثية المهدمة والمخربة وبحدود 1200 داروبيت قديم رغم أنها تخضع لقانون التراث والآثار، الذي ينص على توثيقها ويمنع التصرف بها إلا وفق أحكام القانون، حيث لا يمكن للمالك التصرف المادي بها أو تخريبها أو تغيير معالمها باعتبارها جزءا من التراث، مما دفع بعض من الملاك أو ورثتهم إلى إحراقها لتكون خارج قانون التراث والآثار ومن ثم بيعها أو تحويلها إلى مجمعات تجارية أو أبنية.
مؤكدا لواع : لابد ان تكون هناك قوانين تحمي التراث والاصالة البغدادية من خلال تلك البيوت والابنية التراثية المختلفة ! وعلى الجهات المعنية اصدار قانون جديد او قوانين أكثر صرامة لمنع أصحاب هذه المنازل التاريخية او ( الدلالين ) من التصرف فيها كونها وجه بغداد القديم والجميل، في حين يستمر العمل لمعرفة العدد الحقيقي للمنازل التي تحتاج إلى الترميم والتأهيل.. ونجد كل دول العالم ومدنها تحتفي وتحتفل بتراثها وتاريخها ويحوّل المنازل القديمة إلى متاحف ومعارض فنية، بقيت العمارة البغدادية مهددة، في ظل وعود مستمرة لم ينفذ منها إلا ما ندر من جهات حكومية وغير حكومية بالحفاظ على ما تبقى من وجه المدينة الذي يشارف على الاندثار.

ت/ز .ن