واع / نكبة فلسطين.. كيف تحوّل النصر العربي إلى هزيمة مُرّة؟

واع / متابعة

سجّلت الجيوش العربية، في الأيام الأولى من حرب عام 1948، تقدما وصفه مؤرخون بـ”التفوق الاستراتيجي”، حيث حرروا أراضٍ فلسطينية من سيطرة العصابات الصهيونية المسلّحة.

وشارك في هذه الحرب، إلى جانب الفلسطينيين، كل من الجيوش التابعة لـ”العراق، مصر، وسوريا، ولبنان، والأردن، والسعودية”.

في المقابل، شارك الفلسطينيون في فصائل قتالية متعددة أبرزهم “جيش الجهاد المقدس”، الذي نجح في منع القوات الصهيونية من الاستيلاء على مدينة القدس المُحتلّة، بعد انتصاره في معركة “القسطل” (2 أبريل/ نيسان عام 1948).

لكن هذا النصر، سرعان ما تحوّل إلى هزيمة مُرّة، بعد أن انقلبت موازين المعركة إلى صالح العصابات الصهيونية، بمساعدة المنظّمات الدولية، والدول العظمى.

بعد صدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947، شكّلت الجامعة العربية جيش الإنقاذ العربي (يضم جنود من 5 دول عربية)، بقيادة الضابط السوري فوزي القاوقجي، لمساعدة الفلسطينيين في التصدي للعصابات اليهودية المسلّحة، وفق “الموسوعة الفلسطينية”.

هذا الجيش، انضم في القتال إلى جانب الفصائل الفلسطينية، والقوات النظامية العربية (أرسلتها الأنظمة العربية رسميا).

هاجمت هذه الجيوش، وفق الموسوعة، المستوطنات اليهودية بفلسطين، في مايو/ أيار لعام 1948.

ورغم ضعف استعدادها وتسليحها، فقد حققت تلك الجيوش والقوات النظامية تقدما، وأعادت السيطرة على مناطق فلسطينية احتلتها العصابات الصهيونية المسلّحة.

وألحقت الجيوش خسائر وصفتها الموسوعة بـ”الكبيرة” بالجانب الإسرائيلي، فيما سيطروا على أجزاء كبيرة من فلسطين والقدس حتّى انتهاء القتال.

وهذه أبرز المناطق التي وصلت إليها الجيوش العربية:

– الجيش المصري: وصل إلى بيت لحم وضواحي مدينة القدس الجنوبية، وغربا حتى حدود مدينة يافا، ومنطقة النقب الجنوبي وخليج العقبة.

-الجيش السوري: سيطر على الجليل حتى جنوب بحيرة طبرية، ما عدا بعض المستعمرات في الجليل الشرقي.

-الجيش اللبناني: اقترب من مدينة عكا، ووصل جيش الإنقاذ إلى جنوبي قرى مدينة الناصرة.

-الجيش العراقي: سيطر على قلب فلسطين، ومدينة تل أبيب، وصولا إلى ما وراء مدينة جنين، وطولكرم وقلقيلة، وعلى بعد أقل من 13 كيلومترا من ساحل البحر المتوسط.

-الجيش الأردني: بسط نفوذه على غور الأردن الجنوبي، ومنطقة القدس، ورام الله واللد والرملة؛ حتّى التقى بالجيشيْن العراقي والمصري.

وفي نهاية المعركة، تحديدا في 11 يونيو/ حزيران لعام 1948، تم التوصل إلى “الهدنة الأولى”، بنص قرار من مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة.

وبحسب القرار، “يمنع كل طرف من تحسين مواقعه الراهنة، ويتعهد بألا يحرك قوات أو معدات حربية، مع عدم تعزيز قواته المقاتلة، كما لا يسمح للمهاجرين اليهود البالغين سن الخدمة العسكرية بالدخول إلى فلسطين إلا بموافقة خاصة من الوسيط الدولي”.

وتوقف القتال لمدة 4 أسابيع والتزم الفلسطينيون والجيوش العربية بنص القرار، بينما خالفت إسرائيل ذلك واستغلت الأسابيع الأربعة لصالحها.

يعتقد مؤرخون أن التدخل الدولي، وفرض الهدنة، بقيادة مجلس الأمن، ساهم في قلب الموازين لصالح إسرائيل بعد أن كان الوضع الاستراتيجي والعسكري لصالح العرب.

وبحسب الموسوعة الفلسطينية، فإن هذه الفترة “ساعدت العصابات الصهيونية في إعادة ترتيب أوراقها وإعادة استعدادها العسكري، وتدارك حالة الهزيمة”.

وتذكُر أن إسرائيل خرقت هذه الهدنة ” وأعادت تنظيم قواتها وتدريبها، ومدها بالعتاد الحربي”.

وتضيف “وصلت إلى إسرائيل كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات الحربية والطائرات الحديثة”.

كما استغلّت إسرائيل، وفق الموسوعة، “موافقة الوسيط الدولي بإرسال تموين للمواقع والمستعمرات، والتي استبدلتها بالسلاح والذخائر”.

في المقابل، فقد فرضت الدول العُظمى (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا) حظرا لـ”إرسال الأسلحة للدول العربية”، متجاهلة انتهاك إسرائيل لقرار مجلس الأمن.

في مطلع يوليو/ تموز لعام 1948، بدأت القوات الإسرائيلية هجومها فاستولت على ثلاث قرى عربية شمالي القدس.

واستولت القوات الإسرائيلية على مطار ومدينة اللد، ومدينة الرملة، بعد شنّها لعملية قصف لعدد من المدن الفلسطينية.

كما حاولت الاستيلاء على البلدة القديمة، في القدس المحتلة، وعلى مدن أخرى إلا أنها فشلت، وتكبّدت خسائر، ما دفع مجلس الأمن لفرض هدنة ثانية، في 15 يوليو/ تموز من ذلك العام.

ورغم قبول إسرائيل للهدنة، إلا أنها تابعت تنفيذ مخططاتها، ونفذت عملية في إطار ذلك على الجبهة المصرية أدت إلى احتلال النقب، والوصول إلى مرفأ “إيلات”، وخليج العقبة.

وفي 15 أكتوبر/ تشرين أول لعام 1948، قصفت القوات الجوية الإسرائيلية مطار العريش في مصر، ومدنا في قطاع غزة، لإخراج القوات المصرية من المعركة.

بعد يوم، دارت معركة عنيفة بين الطرفين أسفرت عن انسحاب القوات المصرية من مدينة المجدل، متوجهة إلى غزة وخانيونس، فيما احتلّت القوات الإسرائيلية المناطق التي انسحبت منها.

وفي 21 أكتوبر/ تشرين أول، سقطت بئر السبع التي كانت تسيطر عليها القوات المصرية، ما أدى إلى سقوط النقب وانحسار سيطرة الجيش المصري على الأراضي في قطاع غزة فقط.

وهذه الأحداث، أدت إلى انكماش جغرافية قطاع غزة، لتصبح بشكلها وحدودها الحالية.

أما بالنسبة للقوات العراقية، فقد انسحبت من مدينتي طولكرم وكفر قاسم بجوار تل أبيب، لفك الحصار الذي كان مفروضا على مدينة جنين، وكانت القوات على شفا تحرير حيفا، لولا تلقيّها أوامر من قيادته بالتوقّف والانسحاب.

وعقب توقيع اتفاقيات هدنة بدون عِلم العراق، بين دول عربية وإسرائيل، اضطر الجيش العراقي لتسليم الأراضي الفلسطينية التي سيطر عليها خلال الحرب للحكومة الأردنية، بحسب مركز “برق” للدراسات والأبحاث.

أصدر مجلس الأمن في 29 ديسمبر/ كانون أول لعام 1948، قرارا بوقف إطلاق النار.

وإثر القرار، انتهت المعركة الأولى بين العرب وإسرائيل بانتصار الأخيرة، فيما استمر الصراع السياسي بينهم حتّى تم عقد اتفاقيات هدنة دائمة فردية في جزيرة رودس اليونانية.

أرجعت مصادر ومؤرخون سبب فشل القوات والجيوش العربية والفلسطينية، الحفاظ على تقدّمها في المعركة إلى عدة أسباب.

وبحسب كتاب “الحرب من أجل فلسطين-إعادة كتابة تاريخ 1948″، فإن القوات العربية النظامية المشاركة في المعركة، تفاعلت من “منطلق مصالح بلادها الوطنية، وليس من منطلقات عروبية كلية”.

كما افتقدت الأنظمة المشاركة، وفق الكتاب، الثقة في بعضها البعض ورفضت “وضع قواتها تحت قيادة دولة أخرى, وهو ما انعكس على ضعف إدارة المعركة”.

كذلك فقد تصارعت الدول العربية على “حصّتها من حجم وموقع القوات التي ترفع أعلامها الوطنية”.

هذا الفشل أدى إلى توجّه كل دولة على حدى، للتفاوض بشأن هدنتها مع إسرائيل، دون اهتمام بالتنسيق العربي الشامل.