واع / لاتغرد خارج السرب


واع /بقلم: الكاتب المحلل السياسي. :سعد الزبيدي
يخرج كل صباح يحدوه الأمل أن يساهم في التغيير ويطبق القانون قدر المستطاع.
كان يهفو كي يرى يوما العراق جميلا كما كان يحلم وهو يخطط أيام الجامعة في كلية الهندسة لبناء مساكن للمواطنين ويرسم طرقا عريصة وجسورا وساحات ومتنزهات جذابة. كان دائما يكرر :- ( نعم استطيع نعم نستطيع أن نبني عراق أجمل).
ككل صباح تناول فطوره وودع أهله وقبل ولده وأوصاه أن يهتم بمراجعة دروسه وأن يستغل وقته أحسن استغلال وأن يرتب الحديقة في غيابه وأن يترجم حبه للجمال في مايفعل ويقول.
أطال النظر في عين ابنه وكأنه يقول لنفسه :- لربما سأشتاق كثيرا لهذا الوجه الملائكي.
شمر عن ساعديه ووضع خطة اليوم لرفاقه :- سنبدأ حملة لرفع التجاوزات في المحلة الفلانية فالتجاوزات تشوه منظر الشارع.
كان يتحدث بود ومحبة للناس ويوعيهم بضرورة الالتزام بالقوانين ويحاول أن يفهم الجميع :- أن الشارع والرصيف والساحات أملاك عامة يتشارك فيها الجميع والواجب الوطني والديني والأخلاقي بحتم على الجميع المحافظة عليها
فهي ملك لي ولك وللجميع.
كان يعلم أنه يغرد خارج السرب وأنه لن يغير لوحده لذلك كان يشجع العمال والموظفون و
الذين معه ويغرس فيهم قيم الرجولة والولاء للوطن بأن يتحلوا بالصبر والشجاعة ويصبحوا مثله لا تأخذه في الحق لومة لائم.
وهكذا وصل كي يزيل تجاوزا تكلم مع صاحبه مرارا وتكرارا وقرر هذه المرة أن يطبق القانون مهما كلفه الأمر.
وإذا بالمتجاوز يسحب مسدسه بمنتهى البرود والبساطة يطلق عليه النار ويرديه قتيلا في أول يوم من الشهر المحرم في مدينة أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
كان أعزلا يؤدي واجبه الوظيفي الذي كلف به والذى يتقاضى أجرا من أجله وينفذ ما يمليه عليه ضميره فر كل من حوله لأنهم لم يظنوا أن المتجاوز جاد في تهديده سقط مضرجا بدمه شهيدا مدافعا عما يؤمن به ( خيركم من عمل عملا واتقنه) .
كيف تجرأ المتجاوز وهو يعلم يقينا أنه على خطأ وأنه يتجاوز على أملاك عامة أو يخالف اللوائح والقوانين وسحب مسدسه وقتل موظفا خلال تأديته الواجب.
ما هذه الجرأة من أين استمد القاتل قوته؟!!!
كثير هم من تجاوزوا على أملاك الدولة فهناك من صادر أرضا للدولة وقسمها وباعها رغم أنف الدولة بل وأجبر الدوائر الخدمية أم يمدوا ماء ومجاري وكهرباء لمنطقته وهناك من ابتلع اراض زراعية أو مشاريع وصادرها لنفسه وهناك من سرق النفط جهارا نهارا وباعه أمام الناظرين وهناك من يدخل ممنوعات من منافذ الدولة ولا يستطيع أحد أن يمنعه.
عندما يشعر الفرد أن هناك قوة تحميه وتمنحه شعورا أنه فوق القانون عندما يرتكب البعض تجاوزات مستغلا قوة المجموعة أو الحزب أو التيار أو العشيرة التي ينتمي اليها ويتصرف كأنه فوق القانون وأنه خط أحمر ساعتها سيشعر أنه عملاق كبير وينظر للآخرين وكأنهم أقزام.
بهذه البساطة يسحب مسدسا لينهي حياة رجل وطني شريف ينهي حياة أب وأبن وزوج وحبيب وموظف نزيه في عالم ملوث لا يتكفل بالدفاع عن الشرفاء لأنهم يغردون خارج السرب.
كم شريف أصبح منزويا وهو يعيش على الهامش يتحسر ويضمر كمده وحزنه في قلبه لأنه يعلم أن كلمة حق ينطقها ستتحول لرصاصة تنهي حياته.
هل نحن بحاجة أن نتحدث عن اللادولة ونحن مناظر التجاوز على الموظفين الحكوميين تتكرر بلا رادع فهذا يهين شرطي مرور أوقف موكبه وهذا يضرب مواطنا لأنه طالب بحقه وهذا يهين مدرسا يراقب امتحانا وذاك يعتدي على طبيب لأن والده قد مات وذاك يكتب على جدار مؤسسة حكومية :- ( مطلوب عشائريا).
فلا تستغرب إن سمعت أن هناك قائدا يجمع أموالا من المنتسبين في صندوق كي دفع فصلا عشائريا لمقاتل كان ينفذ واجبه وأصبح مطلوبا لأحد العشائر.
لست أرثيك فمثلك لا يرثى لأنك خالد لن تمت وسيظل ذكرك مخلدا على مدى الزمان.