واع / قراءة النقدية لكتاب (الزنج ثورة وقائد) للكاتب والباحث “علاء الوردي “

واع / بغداد – حمدي العطار
التساؤل الذي يثار عند نجاح اية ثورة هو مدى استمرار وجودها في السلطة وما حققته من اهدافها عندما استلمت الحكم؟ هل اوضاع الناس تغيرت نحو الافضل في ظل النظام الجديد؟ ام اصبح الناس يترحمون على النظام السابق ؟ او ان (الحال تغير ولم يتغر) كما يقول “طه حسين” ثورة الزنج وقائدهم (علي بن محمد) ومفهوم العدالة الاجتماعية هل تحقق في ظل حكم الثورة (15) عاما، ام الفكرة تم تفسيرها بالشكل التالي هو ان يصبح العبيد اسياد والاسياد يعالمون معاملة العبيد؟ فهل هذا هو مفهوم ثورة الزنج للعدالة الاجتماعية؟ واين المساواة من هذا التفسير.
مادة قيمة
الباحث والمؤلف علاء الوردي حاول ان يحيط هذه الثورة وقائدها بمجموعة من الادلة والمقارنات التاريخية لبيان مصدر قوة الزنج واستمرار حكمها عقد ونصف واسباب فشلها ” كقراءة معاصرة بمنظور إجتماعي واع، عن طبيعة حركته الثورية مع ذكر الأحداث التي وقعت أبان اعظم ثورة هزت اركان الخلافة العباسية لمدة ليست بالقصيرة من الزمن..لذا يجد الباحث في طبيعة ثورة الزنج، والوصول إلى نتائج مفيدة، صعوبة كبرى في الوصول إلى برنامجها ونظامها، وذلك لشحة المصادر من جهة، إضافة إلى اعتماد معظم الباحثين على مؤرخ واحد لتقل الأحداث، وتكون عرضة للتشويه!!”ص17 هو اعتراف من المؤلف خطير ويضع القارئ بالحيرة فهل استطاع المؤلف ان يغطي النقص او الندرة في تناول هذه الثورة تاريخيا؟ نحن نعتقد ان الجهد المبذول في التحليل والاستنتاج والربط بين المعلومات وكشف المتناقض منها قد توفق فيه الكاتب، كذلك الخلفية التاريخية للثورات المتماثلة في العالم مثل (ثورة العبيد) بقيادة سبارتاكوس ضد الامبراطورية الرومانية مع التباين بين (الزنوج ) كعبيد كانوا يعملون في اصلاح الاراضي السبخة ويرفعون الملح من الارض وتعد هذه الاعمال من الاعمال الشاقة فجاءت دعوة قائد ثورة الزنج للتخلص من الظلم والقهر وتطبيق العدالة والمساواة استجابة قوية من الزنوج، اما سبارتكوس فكانت شعبيته قد برزت من خلال اسرى الحروب (المصارعين) وانتقلت الى المزارعين! لذلك عبيد سبارتكوس غير عبيد او زنوج علي بن محمد ، جميع الثورات طابعها التغيير وهي مع الفقراء والمعدمين ضد الاغنياء والاقطاعيين، لكني ارى في ثورة القرامطة اكثر ثورية من ثورة الزنج وهي كانت ضد الخلافة العباسية ايضا واستمرت 20 عاما ، وافكارهم اكثر تقدمية من ثورة الزنج فللقرامطة رؤية مشاعية ويملكون وعيا وبرنامجا متقدما ، مشاعية بالمال والسلاح، والحكم للمجموعة وليس لفرد ، القرامطة نموذج خطير هي ثورة ضد الاقطاع ، ثورة ناضجة لا تستقطب فقط (العبيد) بل كانت من شرائح اجتماعية متنوعة يؤمنون بالفكرة ويضحون من اجلها وكان موقفهم من (الدين) خطير ، اما ثورة الزنج فقد رفعوا شعار ديني (المساواة وعدم الفرق بين البيض والسود) القرامطة كانوا يستهدفون ايديولوجية الحاكمين بأسم الدين!كان بودي ان يحتوي كتاب الباحث علاء الوردي مقاربة بين ثورة الزنج والقرامطة.
كتاب ( الزنج ثورة وقائد) من الكتب المهمة نحن امام منجز ابداعي جديد يتصف بالحيادية والصدق والبحث العلمي الجاد.
دراسة جديرة بالمناقشة
الثورات لا تحدث فقط بسبب الظلم وغياب العدالة الاجتماعية وتردي الاوضاع الاقتصادية بل هناك سبب آخر يشجع المظلومين والفقراء والمعدمين ان يخوضوا مغامرة الثورة على الحكم وهو (ضعف الدولة) وفي فترة ثورة الزنج والقرامطة وغيرها من الحركات الثورية حدثت بسبب ضعف الدولة العباسية، وقد ذكر المؤلف سبب هذا الضعف وجعله ناتجا عن ضعف شخصية الخليفة (الخليفة المعتمد الذي كان ضعيفا عاكفا على الملذات والملاهي) فضلا عن تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية ونحن نرى كان على المؤلف ان يركز كثيرا على ابعاد القبائل العربية عن امور السياسة والاستعانة بالترك عبر منحهم اراضا واخذ الريع منهم وغض النظر عن الظلم الذي يلحق بالفلاحين والعبيد! فضلا عن تصدع فكرة الجهاد لدى جيوش الخلافة ! ولهذا فشلت حملات الدولة العباسية ضد ثورة الزنج الذين كانوا يملكون القوة المستمدة من الحرية والمنافع الاقتصادية من دولتهم المختارة!
مميزات الكتاب
في هذا الكتاب يقدم المؤلف علاء الوردي دراسة شائقة عن ثورة الزنج، وثورات العبيد ، وثورات اخرى في العهد العباسي فضلا عن العصر الاموي،كما يتناول شخصيات ثورية على رأسها قائد ثورة الزنج (صاحب الزنج) –علي بن محمد -، ويسعى الباحث الى ابراز مجموعة من الرؤى والدراسات التي قدمت تلك الثورة (اسبابها، نجاحها، عيوبها، فشلها) فهي دراسة للدراسات مع رؤية نقدية لتلك الدراسات والابحاث.
محتويات الكتاب
يقع الكتاب في اربعة فصول مع تقديم د.

سعد التميمي الذي ذكر فيها اهمية موضوع الكتاب ” قيام الثورات والانتفاضات الشعوب للتحرر من نير الانظمة الفاسدة، يدفع بعض الباحثين والمهتمين للتنقيب في سجلات التاريخ للكشف عن صور تتجلى فيها ملامح هذه الحقيقة” ومقدمة المؤلف ، التي جاء فيه “وما صاحب الزنج إلا أحد هؤلاء الخالدين الذين يذكرهم التاريخ، وهو صاحب الحركة الثورية الكبرى (ثورة الزنج) التي حدثت في جنوب العراق في منتصف القرن الثالث الهجري\ التاسع الميلادي”ص16 في الفصل الأول وتحت عنوان (ثورة العبيد في التاريخ القديم والتاريخ الاسلامي) ويعد المدخل لدراسة ثورة الزنج حيث يستعرض المؤلف الثورات المماثلة لثورة الزنج (ولعل أجدر هذه الثورات بالاشارة، ثورتا العبيد في صقلية سنة 135 ق.م، وثورة سبارتاكوس سنة 73 ق.م، ونبذة مختصرة عن ثورات العبيد عبر مراحل التأريخ في العهد الروماني ألاول”ص27
*حقب التاريخ وتفاعلها مع الثورات
تحت هذا العنوان ناقش في الفصل الثاني طبيعة الثورة في ذلك العصر ، بعد ان استعرض الفوارق الطبقية بين الاغنياء والفقراء والمعدمين (وبدأت الثورات في الدولة الأموية بعد أن تقسم المسلمون لعدة فرق منها :الشيعة، والخوارج، والمرجئة، واهل السنة، ومنها تقسمت كل فرقة إلى طوائف متعددة.. وما قائد العبيد والزنج إلا شيعي زيدي”73. ويطرح الكاتب سؤالا مهما وخطيرا (هل كل حركة مسلحة ينطبق عليها مفهوم الثورة ؟!) ويستشهد بالثورة الفرنسية ، ويتحدث عن ضرورة وجود مقدمات لكل ثورة (مع وجود مفكرين وفلاسفة وشعراء في تلك الامة) ويكثر من طرح الاسئلة الذكية قائلا (هل يمكن حدوث التثوير قبل التنوير؟! هل قام علي بن محمد بتنويرهم قبل تثويرهم؟ويؤيد المؤلف النقد الذي يوجهه أحمد علبي في هذا الفصل للباحثين (لا نصرح بجديد اذا قلنا إن الحركات الاجتماعية في الإسلام لم تدرس بعد، دراسة وافية وما زال للباحثين في هذا الباب شعاب كثيرة لم تسلكها الأقلام بالبحث ولم ترتدها الأذهان بالتفكير)ص82 . كما يذكر المؤلف في هذا الفصل (آرء المؤرخين الكبار) “الطبري”و”أبن الجوزي” و(آراء الباحثين المعاصرين) “أحمد علبي” والباحث اليساري “حسين مروة” والباحث “هادي العلوي” والباحث محمود اسماعيل ” الذي ارجع فشل ثورة الزنج الى (عدم تجانس الثوار- استرداد الخلافة العباسية مكانتها- الثورة ميز ما بين العرب والموالي والزنج- عقد الثأر )
*علي بن محمد
في الفصل الثالث يتوقف المؤلف عند السيرة الذاتية لقائد ثورة الزنج (علي بن محمد ) الذي يستعرض امكانياته في (التنجيم والتنبؤ بالغيبيات وطبيعة الثورة) ويستشهد برؤية الباحث (فيصل السامر حول فشل ثورة الزنج (محدودة النطاق- لا تنطوي على برنامج شامل واسس فكرية ثابته- النجاح رهينا بيقاء زعيمها – لم تستطع ان تجذب احرارا من اهل البصرة – وعداء الأحرارمن الطبقة الوسطى لحركة الزنج)
اما عن غموض نسب علي بن محمد فيكر (أنه أدعى النسب العلوي ليكتسب صفة شرعية من ناحية، ولكي يكسب العامة من ناحية ثانية إلا أنه عاد فنبذ مبادئ الشيعة لأنها لم تحقق بغيته، فعقيدة الشيعة تقوم على مبدأ الوراثة ووجوب حصر الإمامة في آل علي”ص146 وبعد ان يشير الكاتب الى مجموعة من الفرق والقناعات يقول (يستطيع القارئ أن يميز بين تلك الامور والعقائد التي تم طرحها، واتهام قائد الثورة بانتسابها، وهل تنطبق عليه تلك الصفات، التي يتهم بها على أنه خارجي؟! انا بدوري سأترك للقارئ عملية المقارنة والمقاربة ليتفحصها بدقة)ص148 ، ويدخل في هذا الفصل ايضا بابا بعنوان (صمود الثوار وقادة الثورة) وعن عاصمة الزنج (المختارة) ينقل هذا الاقتباس “فهي حصن بالمعنى الصحيح، وقد أحيطت بالانهار والخنادق والأسوار، كما أن الحياة بداخلها كانت منتظمة فقامت بها الدواوين وأسواق البيع وربطت أجزاء المدينة التي كانت تجري فيها الأنهار، قناطر وجسورا، وكانت المختارة مدينة واسعة عامرة، محصنة”ص153 كما ضم الفصل بابا عن (جغرافية منطقة الحرب)
*البصرة وتأثير الأحداث فيها.

يختتم الكتاب في الفصل الرابع تحت هذا العنوان الذي يتحدث فيه عن (خراب البصرة) “منذ بداية الثورة تعرضت البصرة لخطر الزنج، إذ كان العبيد في تلك الفترة يمثلون وسائل أنتاج مهمة ولهم تأثير أقتصادي كبير”ص163 وقد تعرضت البصرة الى الخراب (وهي من اكثر المدن التي تعرضت للخراب في التاريخ) وبعد أن استفحلت ثورة الزنج (أتجه الموفق لإخماد تلك الثورة وانتصر عليها، فأطلقوا المثل المعروف (بعد خراب البصرة جئت لنا بالنصر) اصيبت الزراعة والتجارة بالضرر الكبير بعد توقف المواصلات النهرية في دجلة قد أدت جميعها إلى تعطيل الخليج وإلى شلل التجارة البحرية شلل مميتا يضاف الى ذلك أن تجارة البصرة البرية قد توقفت أيضا”ص168 اما الباب الثاني فهو يعرض كيفية فشل ثورة الزنج ويعزوه الى (إفتقار البرنامج الثوري- نطاق الثورة محدود- عدم تحالف الزنج مع الحركات الأخرى- شخصية الموفق قامع الثورة- الموالين- القوة العددية) اما الاستنتاجات فجاءت بالشكل التالي ( النزعة الفوضوية أدت الى تقليص أبعادها واهدافها- شهوة التشفي والإكثار بالتلذذ بغريزة القتل والسبي تلك عقد النفس لا تزال متواجدة في العمق الوجداني الإنساني- الاطر الثورية المحدودة )
ويختم المؤلف هذا الكتاب بهذه العبارات المؤثرة (أن تكون حرا ليس مجرد التخلص من القيود، بل أن تعيش بطريقة تحترم وتعزز الآخرين، ولو أتبع علي بن محمد، هذه الأمور لحصل تغيير كبير في نفوس الأتباع فالذين مع الحرية هم الذين يريدون المطر لا الرعد”ص182
الخاتمة
هذا الكتاب (الزنج ثورة وقائد) لمؤلفه الباحث “علاء الوردي” على قدر من الأهمية لخطورة الموضوع ومدى انعكاس مضمونه على ما يجري اليوم من انحرافات في الحركات الثورية او المعارضة بعد ان تستلم السلطة مقارنة بما قبل استلام الحكم! الكاتب لا يتورع عن نقد كل الطروحات الخاصة بثورة الزنج ، وهو لا يطرح اجوبة بديلة بل يدعو القارئ الى التأويل والتأمل من خلال طرح اسئلة فلسفية عميقة، كتاب فيه الكثير من الموضوعية ويستحق القراءة والدراسة والفهم والتحليل.