واع /واقع اسعار النفط وسط فوضى ..النقص للمرحلة الإنتقالية في الطاقة عالمياً؟!

وكالة انباء الاعلام العراقي – واع /د. فلاح العامري استشاري اقتصادي للطاقة / بغداد 

أن جوهر المشكلة في اسواق الطاقة العالمية، هي التخبط الذي تعيشه الدول المتقدمة إقتصاديا وتكنولوجيا نتيجة اجراءاتها المستمرة والسريعة للتحول الى الآقتصاد الأخضر  من خلال تقليص انبعاثات الكاربون وايقاف التلوث البيئي .

وقد انعكس هذا التخبط على إنتاج وتوريد مصادر الطاقة دون الأخذ بنظر الإعتبار الطلب المتنامي على الطاقة، خاصة بعد بوادر تعافي الاقتصاد العالمي بعد انجلاء خطر جائحة كورونا. لقد كان من الافضل أن تدع هذه الدول باستمرار نمو مصادر الطاقة بدون تدخل يؤثر على تغيير هيكلية مصادر الطاقة بشكل كبير  يؤثر على طبيعة  التنافس بينها بحرية وانسيابية وتوضع خطة دقيقة واجراءات عملية وتشريعية وبيئية لاحلال مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة محل مصادر الطاقة الاحفورية كالنفط والغاز والفحم الحجري، على المستوى العالمي او الإقليمي  او المحلي لمنع حصول إضطراب في توريد هذا المصدر من الطاقة أو ذاك.

لذلك ان ما يحصل حاليا في هذه الدول ينطبق عليه المثل العربي الشهير ” جنت على نفسها براقش” . وان مايحصل لم يكن نتيجة للصراع السياسي والإقتصادي القائم بين أمريكا من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، رغم أن هذا السبب لم يغب عن بال مفكري هذين الطرفين ويتم استغلالها في الوقت المناسب.

لقد ارتفعت في الاونة الاخيرة العقود الآجلة للخام الأمريكي لتتجاوز حاجز  81 دولار للبرميل خلال هذه الايام، وسعر نفط برنت تجاوز  85 دولارًا للبرميل. وفي نفس الوقت إرتفعت أسعار الفحم الحجري والغاز الطبيعي الى مستويات عالية في اسواق الطاقة العالمية،  تزامنت مع إنخفاض مخزونات مختلف أنواع الطاقة بقرب حلول فصل الشتاء في تلك الدول التي تتاثر كثيرا للمشاكل التي تحصل في في هذا الفصل. وقد سبب ذلك الى حصول اضطرابات في اسواق الطاقة العالمية وتغيرات فجائية في الأساسيات التي تحرك تلك الأسواق والتي ادت الى حصول زيادة في الطلب على النفط متجاوزا المعروض منه عالميا. وان استمرار  اتساع الفجوة بين العرض والطلب على النفط نتيجة حدوث نقص في مختلف انواع الطاقة خاصة النفط والغاز والفحم الحجري، سوف يؤثر ذلك على التوازن بين العرض والطلب مسببا ارتفاع اسعار النفط.

لو عدنا الى الخلف وبالاخص بداية عام  ٢٠٢٠  فقد حصلت بشكل فجائي زيادة كبيرة بالمعروض في الطاقة ادت الى حصول صدمة غير مسبوقة في اسعار النفط نتيجة لظهور وانتشار جائحة كورونا الذي سبب انخفاض كبير في الطلب على النفط، نتيجة لحدوث شلل كبير  في الانشطة الاقتصادية على مستوى العالم وانعكس ذلك على حركة النقل المحلية والدولية مما ادى الى زيادة المعروض من النفط بشكل غير مسبوق.

فعندما حصلت زيادة في المعروض  عام ٢٠٢٠ قررت اوبك وشركائها تخفيض انتاجها حوالي ١٠ م /ب /ي لغرض تقليص الفجوة بين الطلب والعرض من النفط في الاسواق العالمية لدعم الاسعار  نتيجة لانهيار الطلب العالمي وانهيار اسواق النفط بشكل غير مسبوق. وكان ظاهره الخلاف بين المملكة العربية السعودية وروسيا حول مقدار التخفيض من انتاج النفط بالرغم من ان كلا الدولتين تريدان ان تساهم الولايات المتحدة الامريكية ان تتخذ اجراءات للضغط على منتجي النفط الامريكي بتقليص انتاج النفط بالاخص انتاج النفط الصخري.

ان ما يحصل في الوقت الحاضر فهو  العكس تماما عن ما حدث عام ٢٠٢٠، فالان الفجوة بين العرض والطلب تتسع لصالح الطلب على النفط مما ادى الى ارتفاع اسعار النفط.

‎ الكرة الان في ملعب اوبك مرة اخرى. والمطلوب منها ان تساهم في اعادة التوازن بين العرض والطلب في الاسواق العالمية في وقت حرج جدا وينتظر منها زيادة انتاج النفط لغرض توفير  كميات كافية تسد حاجة الدول المستهلكة التي حصل لديها نقص كبير غير متوقع خزين في الغاز والفحم الحجري. ولكن اوبك لديها استراتيجيتها للتعامل مع الزيادة الاستثنائية في الطلب على النفط.

ولكن منظمة أوبك وشركائها حاليا في وضع قوي والانظار تتجه نحوها من اجل التحرك السريع لسد النقص الحاصل في الاسواق العالمية. ولكن على ما يبدو  انها عازمة على تطبق خطتها التي وضعتها عام ٢٠٢٠  ولازالت تتبع سياسة واضحة في زيادة انتاج نفوطها ومستمرة في مراقبة اسواق النفط العالمية عن كثب وتعمل على اعادة التوازن بين العرض والطلب تدريجيا وفق رؤيتها وخطتها وفي نفس الوقت متمتعة باسعار نفط عالية مقبولة من جانبها. وهي ليست على عجالة في زيادة انتاج النفط بكميات كبيرة كأن تكون ٢-٣ م ب ي من كميات التخفيض المتفق علية في اتفاق عام ٢٠٢٠. حيث ان اي زيادة كبيرة في الانتاج ربما تؤدي  الى انخفاض اسعار النفط ربما تصل الى دون مستوى ٦٠ دولار للبرميل وهذا السعر ربما يكون مقبول من الدول ذات الاقتصاديات الكبيرة والتي تستهلك كميات كبيرة من  النفط، ولكن هذا السعر  غير مرغوب من دول اوبك وشركائها. 

‎ان الكمية المتبقية من قرار تخفيض عام ٢٠٢٠ البالغة 10 ملايين برميل هي حوالي خمسة ملايين ب /ي. ولكن اوبك وشركائها فضلت عدم الاستعجال في اي زيادة كبيرة و قررت ان ستمر في تنفيذ خطتها بزيادة الانتاج شهريا بمقدار ٤٠٠ الف ب /ي. ولكن هذه الكمية من الزيادة في الانتاج  لا تكفي لسد النقص الحاصل حاليا في الطاقة خاصة في الدول المتقدمة اقتصادية.

‎نحن نعتقد ان اوبك وشركائها لا تنوي الى تحقيق  اهداف سياسية وانما هدفها المضي في تنفيذ استراتيجيتها المنسجمة مع اساسيات السوق و البقاء متماسكة، وتحقيق ايرادات مالية اضافية لتعويض خسائرها نتيجة ما حدث عام ٢٠٢٠.

‎خلاصة القول ان المشكلة هي اضطراب في سوق الطاقة العالمي بامتياز نتيجة عدة عوامل ساهمت في نقص المعروض النفطي من الجهة وزيادة الطلب من جهة اخرى. على سبيل المثال اقتراب فصل الشتاء القاسي في اوربا وامريكيا، وانخفاض انتاج الفحم في اوربا وتقليص الاستثمارات في النفط والغاز ومحدودية توريد الغاز الروسي الى اوربا لاسباب فنية والاختلاف حول تعريفة الغاز ..