واع / سيناريوهات الازمة الاوكرانية واستراتيجيتها المعقدة

واع / متابعة

بعد اجتماع لمجلس الأمن الروسي ، اتخذ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين قراره، بالاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، حيث اثار هذا القرار ردود افعال متباينة بين اطراف غاضبة ورافضة للقرار واخرى طالبت بالتهدئة ونزع فتيل الازمة، لكن السؤال الاهم هو لماذا اتخذ الرئيس الروسي هذا القرار وما هي فائدة هذه الورقة في الصراع الروسي الاوكراني من جهة والروسي والناتو من جهة اخرى.

يعود اساس الصراع بين روسيا وحلف الناتو على اوكرانيا منذ عام 1991 وتم فيها لعب عدة اوراق بعضها اقتصادية والاخر سياسي اضافة الى استغلال ورقة خطيرة ومهمة ام اللعب فيها في العديد من دول العالم وهي الورقة المجتمعية والعرقية ، وعلى الرغم من كون أوكرانيا دولة مستقلة منذ 1991، ألا ان روسيا تعتبرها جزء من مجال تأثيرها، على اعتبار ان روسيا تنتهج نسخة حديثة من سياسة بريجنيف، التي تنص على أن تكون ل‍أوكرانيا “سيادة محدودة”، كما حصل مع وارسو عندما كانت ضمن مجال التأثير السوفيتي.

بعد انهيار الأتحاد السوفيتي، حافظت الدولتان على علاقات وثيقة فيما بينهما، ولم يظهر الصراع بينهما ألا حديثاً، وأهم هذه النقاط خلافاً هي الترسانة النووية ل‍أوكرانيا، حيث إن أوكرانيا وافقت على التخلي عنها بعد التوقيع علي مذكرة بودابست للضمانات الأمنية شرط أن تتعهد روسيا(والموقعين الآخرين) بتجنب التهديد باللجوء إلى القوة أو استخدام القوة ضد سلامة ووحدة أراضي أوكرانيا وأن لاتهدد إستقلالها وسيادتها.

بدأت الاحداث بالتسارع في 21 تشرين الثاني من العام 2013 عندما علق رئيس أوكرانيا آنذاك فيكتور يانوكوفيتش الاستعدادات لتنفيذ اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي حيث أثار هذا القرار احتجاجات جماهيرية من مؤيدي الاتفاقية والتي أدت بدورها، إلى ثورة أطاحت بالرئيس في شباط من العام 2014 وبعد أيام من فرار الرئيس الأوكراني، بدأ مسلحون معارضون لحركة الميدان الأوروبي في السيطرة على شبه جزيرة القرم، حيث أُنشئت نقاط التفتيش من قبل جنود روس مجهولين يرتدون زيًّا عسكريًا أخضر مع معدات من اللون الأخضر في عاصمة جمهورية القرم ذاتية الحكم.

بعد احتلال برلمان القرم ، أعلنت قيادة القرم أنها ستجري استفتاء على الانفصال عن أوكرانيا، حيث أعقب هذا الاستفتاء المثير للجدل ، ضم الاتحاد الروسي لشبه جزيرة القرم في منتصف اذار وقد رفضت أوكرانيا ومعظم المجتمع الدولي الاعتراف بالاستفتاء أو الضم  في 15 نيسان، أعلن البرلمان الأوكراني أن شبه جزيرة القرم هي أرض محتلة مؤقتًا من قبل روسيا.

اتفاقية مينسك بين روسيا واوكرانيا

 في عام 2015، التقى الرئيس الأوكراني آنذاك، بترو بوروشنكو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في العاصمة البلاروسية مينسك، وتم اللقاء بوساطة دبلوماسية من المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي حينها فرانسوا هولاند، وذلك من خلال “صيغة نورماندي” ونصت اتفاقية مينسك على وقف فوري لإطلاق النار، وسحب الجانبين للأسلحة الثقيلة، إلى جانب سلسلة من الترتيبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد وقف إطلاق النار في منطقة الصراع لكن لم يتم تنفيذ الاتفاقية بالكامل، وتبادل الطرفان الاتهامات بانتهاك بنودها، لا سيما في القضايا الرئيسية مثل وقف إطلاق النار وانسحاب القوات والإصلاح السياسي. واستمرت الاشتباكات المسلحة في منطقة دونباس، وإن كانت محدودة في حدتها وحجمها.

عادت الازمة الى الواجهة من جديد بعد فترة هدوء في عام 2016، حيث ذكرت أوكرانيا أن روسيا زادت وجودها العسكري على طول خط حدود القرم. ثم أغلقت المعابر الحدودية كما اعلنت روسيا مقتل جنديين وجرح 10 في اشتباكات مع قوات الكوماندوز الأوكرانية في أرميانسك (القرم) والقبض على عملاء أوكرانيين وقد نفت أوكرانيا وقوع هذا الحادث.

الدور الاوربي والامريكي في الازمة

 الدور الاوربي والامريكي لم يكن بعيدا عن الازمة الروسية الاوكرانية وكانت شرارة تلك الازمة في بداياتها الدولية قادمة من واشنطن حيث موّلت الولايات المتحدة في ذلك العام مجموعات سياسية مؤيدة ل‍أوروبا في أوكرانيا من خلال منظمات غير حكومية مثل مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي وقد أشارت ممثلة مكتب الشؤون الأوروبية والأوروبية الآسيوية في العاصمة واشنطن الدكتورة فيكتوريا نولاند، إلى أن التمويل تجاوز 5 مليارات دولار بين عام 1991 المؤرخ لتاريخ استقلال أوكرانيا وعام 2013.

 وازداد سعير الازمة بين روسيا واوكرانيا بعد الاستطلاع للرأي الذي تم إجراؤه في كانون الاول من عام  2008، حيث صوت ٪44.7 من السكان الأوكرانيين بتأييدهم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بينما عارض ٪35.2 ممن شملهم الاستطلاع ذلك.

 الورقة الاقتصادية ودورها في الازمة الاوكرانية

الورقة الاقتصادية كان لها دورها في الكر والفر في تلك الازمة بين روسيا واوكرانيا حيث انه في نهاية تشرين الثاني 2013، بلغ احتياطي أوكرانيا من النقد الأجنبي ما مجموعه 18.7 مليار دولار كما سجلت البلاد في نفس السنة ركودا بلغت نسبته ٪2، مما يوحي بامكانية تخلفها عن سداد ديونها لعام 2014 والبالغة اجمالا 7 مليارات دولار، وقد استغلت روسيا تلك الظروف الاقتصادية الصعبة في اوكرانيا لمطالبتها بدفع مبلغ 17 مليار دولار من فاتورة الغاز الطبيعي.

 في 18 كانون الاول من عام 2013، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفع الحواجز الجمركية بين أوكرانيا وروسيا، وكذلك نيته لخفض سعر الغاز وتقديم قرض للحكومة الأوكرانية بقيمة 15 مليار دولار في محاولة منه لكسب اوكرانيا الى معسكره الشرقي لكن رئيس الوزراء الأوكراني ميكولا أزاروف طلب من الاتحاد الأوروبي خلال المفاوضات بينهما تقديم قرض لبلاده بقيمة 20 مليار يورو، وهو ما تم رفضه من روسيا مع وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدة مالية للبلاد.

خط أنابيب “نورد ستريم 2″ ورقة اقتصادية كان لها التأثير الكبير على العلاقة بين روسيا واوكرانيا  وعندما انهار الاتحاد السوفيتي السابق، احتفظت روسيا بأكبر احتياطيات الغاز في العالم، لكن أوكرانيا ورثت خطوط الأنابيب. ومنذ ذلك الحين، اختلف البلدان حول هذا الإرث و”نورد ستريم 2” هو مشروع خط أنابيب جديد لنقل الغاز الطبيعي بطول 1200 كيلومتر، يمتد من غربي روسيا إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق ويعتبر خط إمدادات الغاز الذي تبلغ كلفته مليارات الدولارات ورقة مساومة رئيسية في الجهود الغربية المبذولة للحيلولة دون غزو روسي محتمل ل‍أوكرانيا.

بدأت أعمال إنشاء خط “نورد ستريم 1” عام 2011، واكتملت في العام التالي وبدأ إنشاء خط “نورد ستريم 2” عام 2018، واكتمل في عام 2021 وبمجرد تشغيل خط الأنابيب الجديد الذي لا يزال ينتظر الترخيص النهائي من هيئة تنظيم الطاقة الألمانية، ستتضاعف كميات الغاز التي ترسلها روسيا إلى ألمانيا لكن المشروع تعرض لانتقادات من دول في شرق أوروبا ودول أوروبية أخرى إضافة إلى الولايات المتحدة. ويتجاوز “نورد ستريم2” خطوط الأنابيب الأرضية الموجودة أساسا في بعض دول أوروبا الشرقية، مثل أوكرانيا وبولندا ومع تشغيل الخط الجديد، يمكن أن تخسر كييف 1.8 مليار يورو وهي رسوم “العبور” التي تدفعها موسكو مقابل استخدام خطوط الأنابيب الأوكرانية لشحن الغاز إلى الاتحاد الأوروبي كما فرضت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عقوبات على روسيا بسبب مشروع “نورد ستريم 2”.

بالمقابل، تصر روسيا على أن “نورد ستريم 2 “قضية اقتصادية وينبغي عدم تسييسها كما انتقدت موسكو الدافع الفعلي وراء معارضة واشنطن، وقالت إن الولايات المتحدة بصفتها أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، تأمل ببيع المزيد من النفط والغاز الأمريكيين إلى أوروبا.

سيناريوهات نهاية الازمة

في النهاية فان السيناريو المطروح حاليا بعد الاعتراف الروسي بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك سيكون خطير للغاية على الاستقرار الداخلي لروسيا في حال استمرت الحرب في أوكرانيا و يضع هذا السيناريو كذلك حداً لإمكانية التكامل السلمي بين روسيا وأوكرانيا في العقود المقبلة، وربما إلى الأبد، لعل ذلك هو السبب الذي جعل بوتين يقاوم التورّط في الصراع الأوكراني منذ 2014، بينما كانت واشنطن تحرص بكل ما أوتيت من قوة جرّ روسيا إليه.

الامر الاخر والمهم في تعقيد او حل الازمة هو مسألة حدود جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، فالآن تسيطر هذه الجمهوريات على جزء أصغر من أراضي منطقتي دونيتسك ولوغانسك السابقة في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه، تطالب الجمهوريات بكامل أراضي هذه المناطق من غير المرجح كذلك أن تتصالح أوكرانيا مع نفسها في هذا القرار دون حرب بالتالي، يمكننا أن نتوقع، بدرجة احتمال كبيرة، أن تنشب حرب بين أوكرانيا والجمهوريات المستقلة عنها، ثم حرب أخرى مستقبلاً بين روسيا وأوكرانيا.

ومن الواضح أنه إذا اقتصرت روسيا على الاعتراف بجمهوريتين فقط، فستتحمل أثقل التكاليف، دون أن تتمكن من حل مشكلة توسع الغرب إلى الشرق. حينها ستكون الولايات المتحدة الأمريكية قد نجحت في تنفيذ السيناريو الخاص بها.