واع / أشارات ربانية للقلب والفؤاد

واع / بقلم / دنيا الحسني (الجزء الاول)

(يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (البقرة- ٢١)
[توحيد الربوبية]
توحيد الربوبية مشتق من أسم الربّ، والربّ في اللغة له معان عدة منها: المربي المالك، السيد، والمدبر. ومنه يقال: رب كل شيء: أي مالكه ومستحقه أو صاحبه كما يدل على الخلق والإيجاد.
توحيد الربوبية: هو الاعتقاد والاقرار الجازم بأن الله -عز وجل- هو ربّ كل شيء، ومالكه، وخالقه، وأنه المحيي والمميت، والنافع والضار، والرزاق ذو القوة المتين، الذي يرجع إليه الآمر كله ولا شريك له في الملك والأمر. ومن الأدلة على ربوبية -الله عز وجل- قوله سبحانه: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156] [ قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 12]. ﴿ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [البقرة: 105].
]الرحمة الربانية [ هي من صفات الربوبية وهي تربية، مثال إلى ذلك: كأن أب أو أم في التربية تسمى ربّ، فالربّ يقول “سبحانه وتعالى “(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ)، نجد أن الآيات الموجود فيها مضمون الخلق، أعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم، والربوبية هي صفة أقرب إلى الخلق، بها يستجيب الله وبها يرحم ويعطي وبها ييسر ويلطف بعباده كل هذه الصفات تسمى “الربوبية”.

[الحنان الرباني]
ولو تأملنا في المخاطبات “الله سبحانه وتعالى”، مع الأنبياء والرسل والمؤمنين وحتى مع الكافرين في القرآن الكريم نجد صفة الحنان عند الله سبحانه وتعالى- وهو الملك صاحب الجبروت والعزة وصفة الحنان تملأ القران الكريم؛ ففي قوله -سبحانه وتعالى- عن أم موسى: وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱلْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِىٓ ۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ]، أوحى الله الى أم موسى حين ولدته وخشيت عليه أن يذبحه فرعون كما يذبح أبناء بني إسرائيل: أن أرضعيه مطمئنة، فإذا خشيت أن يعرف أمره فضعيه في صندوق وألقيه في النيل دون خوف من فرعون وقومه أن يقتلوه ودون حزن على فراقه، إنا رادوه ولدك إليك وباعثوه رسولا. فوضعته في صندوق وألقته في النيل فعثر عليه أعوان فرعون وأخذوه فكانت عاقبة ذلك أن جعله الله لهم عدوا وحزنا، فكان إهلاكهم على يده، إن فرعون وهامان وأعوانهما كانوا آثمين مشركين.
﴿ فَرَدَدْنَاهُ إلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص: 13]، انظر إلى فؤاد أم موسى الذي أصبح فارغا لولا أن ربط اللهُ على قلبها انظر إلى هذه الأم التي قذفت بوليدها إلى اليمّ ولا تعرف مصيره، انظر إلى شوقها إلى هذا الوليد الذي كاد يمزق قلبها انظر إلى العواطف الجياشة التي اغتالتها من فراق وليدها انظر إلى لهفتهاعليه، إذا قال اللهُ هذا لبشر؟ أليس هذا هو قمة الرحمة؟! أليس هذا هو قمة الحنان الرباني؟!
ثم انظر إلى تحقيق وعد الله؛ فقد بدل الخوف بأن أقر عينها، وأكّد على أن رد وليدها إليها كان فقط لكيلا تحزن
وإلا فإن الله قادر على أن يأتي لموسى بمن ترضعه في قصر فرعون ولكن حنان الله على أم موسى جعله يرد إليها وليدها ليزيل هذا الحزن، ثم بعد كل ذلك انظر إلى حنان المولى – سبحانه وتعالى – عليها حتى في الوحي إليها؛ فقد كانت العبارات التي احتوى عليها الوحي عبارات كلها حنان، انظر وهو – سبحانه – يقول لها: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7]، فهاتان الكلمتان توحيان وكأن هناك من يطبطب عليها ليسكن خوفَها ويزيل حزنها.في الآيات القرانية الكريمة دلالة واضحة على الحنان والعطف الرباني.
قوله -سبحانه وتعالى- فكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا{ فَكُلِي ْ}من التمر { وَاشْرَبِي ْ} من النهر { وَقَرِّي عَيْنًا ْ} بعيسى، فهذا طمأنينتها من جهة السلامة من ألم الولادة، وحصول المأكل والمشرب الهني .
وأما من جهة أقوال الناس، فأمرها أنها إذا رأت أحدا من البشر، أن تقول على وجه الإشارة: { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ْ} أي: سكوتا { فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ْ} أي: لا تخاطبيهم بكلام، لتستريحي من قولهم وكلامهم. وكان معروفا عندهم أن السكوت من العبادات المشروعة، وإنما لم تؤمر بخطابهم في نفي ذلك عن نفسها لأن الناس لا يصدقونها، ولا فيه فائدة، وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد، أعظم شاهد على براءتها، .فإن إتيان المرأة بولد من دون زوج، ودعواها أنه من غير أحد، من أكبر الدعاوى، التي لو أقيم عدة من الشهود، لم تصدق بذلك فجعلت بينة هذا الأمر الخارق للعادة، أمرًا جليا في العباد ، وهو بصمتها و كلام عيسى في حال صغره جدا من المعجزات الإلهية .
ومن الآيات القرآنية الأخرى الدالة على الحنان الرباني: ( وحَنانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا) (13) ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍۢ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ)(الأعراف – 96)
إن الربوبية أمر عظيم؛ رب السموات والأرض ومن فيهن وخالق كل شيء ورب كل شيء، مقرونة دائما بالخلق وقدرته من خصائص ذاته المقدسة سميت بالتعريف القدرة والربوبية، في تجلياتها أظهر ما تكون للمربوب فأنت إذا نظرت الى الكون والى ما في نفسك تعد ناظر الى أثار الربوبية أي أثار القدرة، وأمر الله في الخلق، كالمح بالبصر، وأن الله سبحانه

وتعالى، خلق الكون ودبر الأمر وإليه يرجع الأمر كله من السموات إلى الأرض ويقوم أمره على الكون كله وخلق الخلق جميعا من أعلي العرش الى أسفل الفرش كالمح بالبصر أو هو أدنى من ذلك، لأنه يخلق بلا زمن وغير مكان وغير حدود وكذلك هو يعطي بلا حدود.
[العطاء الرباني]
نجد في الآيات هذا الأمر واضح عن العطاء الرباني في قوله سبحانه وتعالى- ( كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) (سورة الإسراء) (20) كل فريق من العاملين للدنيا الفانية والعاملين للأخرة الباقية يعطي من رزقه، يرزق المؤمنين والكافرين في الدنيا؛ فأن الرزق من عطاء ربك ليس ممنوعا من أحد مؤمنا كان أم كافر وذلك من عطاء الربوبية، فلا يفوتهم نصيبهم من الدنيا فكلا يمده الله من عطاءه واحسانه. جميع الخلق راتعون بفضله واحسانه وفي قوله سبحانة وتعالى- [ولسوف يعطيك ربك فترضى] وللدار الآخرة خير لك من دار الدنيا ولسوف يعطيك ربك -أيها النبي- مِن أنواع الإنعام في الآخرة، فترضى وذلك بما يعطيه حتى يرضيه في أمته ، وفيما أعده له من الكرامة ومن الثواب الجزيل لك لأمتك حتى ترضى بما أعطاك وأعطى أمتك. وهي من احب الآيات القرآنية التي تحدثت عن العطاء الى قلبي وذلك لأن الله يحدث عباده عن نعمه وفضله أنه بعد الصعاب سينعم على عباده من فضله جزاء لصبرهم وذلك يدعونا نتأمل إن لكل ضيق مخرج ولكل طريق ضيق مسلك فهذا من أجمل الامور والحكمة التي نتعلمها من هذه الآيه الكريمة.