واع / دموع عائد من الغربة / اراء حرة / زيد الحلي

عاد الى الوطن ، بعد ثلاثين عاما من الغربة ، وفي اليوم الثاني لعودته ، استعجل اخوته في زيارة الى بعض الاحياء ” الجميلة ” ببغداد التي ما لازالت في مخيلته .. فهو في توق عارم لاستنشاق هواء مفعم بضوع الاشجار الكثيفة التي تزين الجزرات الوسطية ، والاغصان المتدلية من حدائق المنازل .. كان الرجل في لهفة الى زيارة مناطق : الكرادة ، زيونة ، المنصور ، العامرية ، حي تونس ، السيدية وغيرها من الاماكن التي تسكن مخيلته ، ولم تبارحها .. فهل هناك اجمل من بغداد ودجلة والبيوت الفارهة ..؟
لم يعكر اخوته ، رغبة اخيهم ومزاجه ، فبدأوا مع بدايات الصباح جولتهم في حي الكرادة ، ودلفوا الى شوارعها … لم يصدق العائد من الغربة ، ما تشاهد عيناه .. تغيير شامل في جغرافية الشوارع ، فلاحظ حجم ” التقزيم” الذي طال البيوت ، واختفاء خضرة الاشجار ، ثم تواصلت الجولة ، الى بقية مناطق العاصمة التي كانت مثل متنزه بمساحاتها الخضراء … فكان الحال نفسه ، وهنا اختفت حالة الفرح عند الرجل ، وحل معها العبوس والالم ، على ألق ضاع !
وبعد هذه الجولة ، كان السجال قائما بين الاخوة : هل ما جرى ويجري من تشويه لمعمارية بغداد ، يتم بالخفاء ، ام تحت علم و” مباركة ” امانة بغداد ودوائرها ؟ اكيد ومؤكد ان ذلك تم ، ويتم بعلم كل الجهات التي ترى ( تقزيم ) بغداد دون ان تتخذ إجراءات للحد من هذه الحالة التي انعكس استمرارها على جمالية بغداد ، كعاصمة وتأريخ .
ان ” تجريف ” المساحات الخضراء ، وتجزئة البيوت الى ( مكعبات ) للسكن ، بحجة ” الديمقراطية والحرية ” الشخصية ، تجاوزت بغداد ، واصبحت حالة عراقية بامتياز في كل المحافظات ..
وانتهى السجال ، وسط دموع العائد من الغربة ، بتساؤل الجميع .. هل انتبهنا الى ذلك ، قبل ان يغرقنا الطوفان الذي أراه آتيا بعد خمس او عشر سنوات ، فمشكل السكن في هذه المكعبات ستكون مشكلة بشر، أكثر مما هي مشكلة سكن ..!