واع / طربوش الأفندي / اراء حرة / طة الجزاع

في كتابه “عودة الوعي” الذي أدان فيه الحقبة الناصرية منقلباً على رواية “عودة الروح” التي بشرت بعبد الناصر وثورة يوليو، يتحدث توفيق الحكيم عن قضية إلغاء الطربوش في مصر لكونه يمثل رمزاً للتبعية العثمانية، وكيف إن هذا الطربوش لا يوفر دفئاً في شتاء ولا يقي من الشمس في الصيف ولم ينجح احد في فرض خلعه أو تغييره، وقد أراد الصحفي القديم محمود عزمي أن يدعو إلى ذلك في العشرينيات، ولبس القبعة فلم يتبعه أحد، واضطر إلى خلعها والعودة إلى الطربوش، ويعتقد الحكيم إن سعد زغلول زعيم ثورة 1919 لو قام بالخطوة الأولى في هذا السبيل لتبعته الأمة أو أكثرها: “خصوصاً وأن وزعيم الثورة التركية كمال أتاتورك كان قد اصدر وقتئذ أمره بخلع الطربوش في تركيا. فكيف تزول من البلاد التي جاءتنا بها ونظل نحن متمسكين؟ “. وتجددت دعوة إلغاء الطربوش في الثلاثينيات، وكثر الجدال على صفحات الجرائد المصرية، وكان الحكيم نفسه طرفاً فيها، وانتهى الأمر بأن خلع وحده الطربوش ولبس البيريه ، وثبت على ذلك حتى رآها تعلو الكثير من الرؤوس .
إن الاختلاف حول الأزياء أو أغطية الرأس والتسميات والألقاب الرسمية والبروتوكولية بين حقبة زمنية وأخرى، قد يبدو أحياناً صراعاً شكلياً لا أكثر يتعلق بتطور الحياة وتغيير المفاهيم الاجتماعية والثقافية وأنماط العيش، غير إن هذا الأمر في جوهره يمثل تحدياً وصراعاً بين إرادتين وسلطتين وعقليتين ومزاجين، وانه يصبح في لحظات التحدي حداً فاصلاً بين الاستقلال والتبعية، كما هو حال الطربوش العثماني. فقد ترك آل عثمان في طول بلاد العرب وعرضها أزياء وألقاباً وكنايات كثيرة غلبت على الوظائف والرتب والمناصب الحكومية والمهن الشعبية، ومن ذلك ما ذكره الباحث والمترجم اللبناني نادر سراج في كتابه ” أفندي الغلغول” وهو احد أعيان حي الغلغول البيروتي الذي حمل لقب الأفندي، وكان هذا اللقب الذي يدل على الاحترام يُمنح بمرسوم، أما كلمة أفندم فكانوا في العهد العثماني يُصَّدرون بها العرائض، فيكتبون إلى المتصرف ” دولتلو أفندم حضرتليري” والى القائمقام “سعادتلو” والى المدير ” رفعتلو” والى الإنسان المحترم رفيع المقام “عزتلو” التي تعني صاحب العزة . ويحصي بحث ” مراسم والي بغداد ” للباحثة ميعاد شرف الدين الكيلاني عدداً من الكنايات المرتبطة بخدمة الوالي مثل ” الابريقدار” وهو الشخص المسؤول عن استحمام الوالي وسكب الماء على يديه، و” القفطانجي” الذي يشرف على هندام الوالي وحسن مظهره، و” القهوجي باشي” الذي يحضر القهوة للوالي وضيوفه، و” الدفتردار” المسؤول عن الإدارة والأموال، أما مسؤول المكتب الخاص للوالي، أو ديوانه فيسمى ” الديوان أفنديسي” .
وأيام العهد الملكي في العراق شاع استخدام الباشا وألبيك، أما بعد 2003 فقد شاعت تسميات للمناصب العالية مثل فخامة ودولة وسيادة، والتي قيل أثناء حكم أحد رؤساء الوزارات المتعاقبين انه سيعمل على إلغائها، مثلما سيقدم على تقليص الوزارات بهدف التقليل من الترهل الإداري والتخفيف من الضغط على الميزانية التشغيلية، غير أن ذلك لم يتحقق لا في عهده ولا في عهد من تبعه. والحق إن الأمر لا يتعلق بالتسميات ولا بالأقوال، إنما بالأعمال والأفعال، وإن أي مسؤول وأي رئيس وزراء يعمل بجد على اصلاح حال البلاد ويؤمن معيشة العباد ويطمئنهم على حاضرهم ومستقبلهم، فأن “عزتلو” يستحق كل الألقاب، إن أحسن اختيار “الدفتردار” و” الديوان أفنديسي” .
وعودة إلى توفيق الحكيم في كتابه ” تحت شمس الفكر” هذه المرة ، ومنه مقال ” كادر المقامات ” الذي سخر فيه من الألقاب الملكية قبل يوليو 1953 مثل ” صاحب الرفعة ” و ” صاحب الدولة ” و “صاحب المعالي” و “صاحب السعادة “و “صاحب العزة “، وفي هذا الأمر يقول : وغير ذلك مما يثير الابتسام عندما نتذكر رجلاً مثل ” تشرشل” الذي يومئذ كان يهز العالم ولا يحمل إلا لقب ” مستر”، الذي يحمله سائق سيارته.