واع / أتمتة العيد/ اراء حرة/بقلم: منتصر صباح الحسناوي
العيد، كما عرفناه في ذاكرة الطفولة، يوم مميز وطقس اجتماعي عميق يتمحور حول التجمع ” الأهل ،الأقارب، الأصدقاء ، الجيران، العشيرة بكل امتدادها” إذ تتصافح الأيدي وتتعانق القلوب، وتُقال عبارات التهاني محمّلة بنبرة صوت فيها المحبة ونظرة عين صادقة.
العيد مناسبة للوئام، لتقوية روابط المجتمع، ولترميم ما تصدّع من علاقات بفعلِ الزمن أو البُعد أو حتى الخلاف.
كان الناس يتركون مشاغلهم جانباً ويطرقون الأبواب بأيديهم لا بأزرار هواتفهم ويزورون البيوت لا الصفحات ، ويكون زاد المحبة باشكال مختلفة لعل ابرزها ” الكاكول/ الكليجة / المعمول ” من يد أهل الدار بتنور الطين او فرن البيت قبل أن يكون دلفري .
مع دخول التكنولوجيا إلى حياتنا تغيّر المشهد. أصبح الوصول أسهل، نعم، والتهنئة أسرع وأشمل، لكن شيئاً ما ضاع في الطريق… العذوبة.
باتت التهاني تُرسل بصور جاهزة وكلمات منسوخة كأنها تُلقى بلا روح بلا حرارة وأحياناً بلا اسم.
صرنا نتلقى عشرات الرسائل المتشابهة حتى تتداخل فلا نميز بين قريبٍ وغريب بين محبة حقيقية ومجاملة عابرة، كأننا نحتفل لكن عن بُعد… عن الناس وعن القلوب.
أن نستخدم التكنولوجيا لا لنستبدل بها مشاعرنا بل لنعزز من حضورنا الإنساني… أن نكتب تهنئة تشبهنا نرسلها بقلبٍ أو حتى نرفع الهاتف لنسمع الصوت لا فقط نرى الصورة.
ومع عدم الرضا بالذي يحصل الان يمضي العالم بخطى سريعة نحو الذكاء الاصطناعي، سيأتي اليوم الذي تُرسل فيه التهاني نيابةً عنك دون أن تكتب حرفاً، أو حتى تعلم أن اليوم عيد.
قد يتكفل مساعدك الذكي بكل شيء، يختار الصورة المناسبة، ينسّق الكلمات “العاطفية”، ويرسلها لأحبّائك في الوقت المحدد… بينما أنت غارق في عملك أو نومك أو عالمك الافتراضي الآخر.
قد يبدو ذلك مريحاً لكنه يحمل خطراً خفياً، أن نفقد إنسانيتنا في التفاصيل الصغيرة… أن نتحول إلى مجرد “أسماء مرسلة” على قوائم تهنئة أُعدّت بذكاء، ولكن بلا روح.
فهل نترك للمستقبل أن يحتفل عنا، أم نتمسّك نحن ببهجة اللقاء ودفء العبارة وصدق النية؟
القرار ما زال بأيدينا… حتى إشعار آخر.