واع / حين يغادرهم الاحترام قبل ان تغادرهم الحياة/ اراء حرة /بقلم : عتاب بغدادي
لا أحد يجرؤ على قولها بصوتٍ عالٍ، لكننا نُمارسها كل يوم. نُقصيهم بهدوء، نُقلّص مساحتهم، نختصر أحاديثهم، نُسرّع خطانا حين يمشون معنا، وننظر لساعتنا كثيرًا حين يجلسون. الكبار في السن… أولئك الذين كانوا يومًا مصدر القوة، صاروا عبئًا بنظر البعض. لا أحد يعترف، لأن الاعتراف خيانة، و”العقوق” وصمة يخشاها الجميع.
لكن الواقع لا يكذب.
عندما لا يعود الجد مرغوبًا في مجلسه لأنه يكرر الحكاية ذاتها،
وعندما تُنتزع الجدة من مطبخها لأن “طريقتها قديمة”،
عندما يُقال للمسن: “يلا فوت نام”، بدل أن يُستمع له،
فهذه ليست تفاصيل عابرة… هذه إشارات للغروب القسري.
في أرذل العمر، لا يحتاج الإنسان سوى إلى القبول، إلى حضن دافئ لا يُهين الكرامة، إلى صبرٍ على البطء والنسيان والتكرار. لكنه بدلاً من ذلك، يُدفع إلى الهامش، كما لو أن الحياة نفسها تستعجل رحيله.
نتظاهر بالاحترام… لكن في دواخلنا، هناك من يقول: “كافي”.
كأن الكِبر جريمة غير معلنة، وعقوبتها النسيان.
فهل نجرؤ أن نُعيد إليهم بعضًا من المكانة التي كانوا فيها؟
هل نتوقف عن إقصائهم، ونجلس معهم… لا لنُعلّمهم، بل لنتعلم منهم؟
هل نحمل عنهم وجع الشعور بأنهم زائدون على الحياة؟
ربما لا يحتاج الأمر إلا لقليل من الوعي، وكثير من الرحمة.
… نعم، إنه أرذل العمر، ذاك الذي لا أتمنى أن أبلغه. لا لأنني أخاف من الشيب أو التجاعيد، بل لأنني أخشى أن أصبح غير مرئي… أن أُعامل كظلٍ لما كنت.
ومن يحاول أن يقاوم؟
من يضحك بصوت عالٍ، أو يرتدي ما يحب، أو يُماشي الشباب بروحه، يُتهم بأنه “متصابي”، و(والي مثلك شبعان بخور وماي ورد)
كأن الكبر يجب أن يُعاش بانكسار، لا بكرامة.
تجده يقاوم كلام الناس، ويقاوم جسده الذي يخونه رويدًا رويدًا،
لكنه رغم ذلك… لا يزال إنسانًا.
له قلب، وذكريات، وله حق في الحياة كما يريد، لا كما يُراد له.