واع / المال… حين يصبح الإله الجديد!/ آراء حرة/ بقلم: عتاب بغدادي

في زمنٍ تحوّل فيه الذهب إلى مفتاح لكل باب، غدا المال الحاكم الفعلي الذي يُسكت الأصوات، ويُكمم المبادئ، ويصنع من الكذب بطولة ومن الخيانة دهاءً. المال لم يعد وسيلة، بل غاية تُعبد، وصنمًا تتهافت له الرقاب، حتى وإن خنق معها القيم والمروءات.

لم يعد يُقاس الإنسان بأخلاقه، ولا يُحتفى به لعِلمه أو صدقه أو نُبله… بل بحجم حسابه البنكي. كم من فاسد الأخلاق، ملوث الضمير، تُرفع له القبعات لأنه يملك مالًا؟ وكم من راقصة في ملهى ليلي تُفتح لها أبواب السيارات الفارهة وتُصافح بأيادٍ مرتجفة، بينما تُشيح الوجوه عن معلمة فاضلة تمضي يومها بحذاءٍ ممزق وراتبٍ يُدمي القلب؟

المال اليوم لا يشتري السلع فحسب، بل يشتري النفوس. يشتري المناصب، ويُرشّح الجهلة، ويُقصي العلماء. يضع الفاسد على رأس المؤسسة، واللص في قاعة البرلمان، ويُعلي صوته حتى على صوت العدل.

كم من بيتٍ تهدّم لأن المال لم يكن حاضرًا؟
كم من أطفالٍ تشردوا، ناموا على الأرصفة، أو بيعوا في أسواق الظلام، لأن المال غاب؟
كم من أمٍّ تخلّت عن أولادها، وهي تقطع قلبها بيديها، فقط لأنها لا تملك ما تُطعمهم؟
وكم من فتاةٍ دفعتها الحاجة إلى أن تتزوج عجوزًا يكبرها بأربعين عامًا، فقط لتحيا حياةً “محترمة” في نظر المجتمع؟

هذا على مستوى الأفراد… أما على مستوى الحيتان، فحدّث ولا حرج.

كم من شعبٍ هُرِس تحت عجلات الطمع، وسُحقت أحلامه من أجل المال والنفط؟
كم من حربٍ أشعلتها الشركات العملاقة، وخُططت في مكاتب ناطحات السحاب، لا لشيء سوى أرباحٍ أعلى في البورصة؟
كم من قائد باع وطنه بالكامل مقابل صفقة؟
وكم من خرائط أُعيد رسمها، ودماء سُفكت، وبلدانٍ تفككت… وكلّ ذلك باسم “الاقتصاد” و”المصلحة” و”الاستثمار”؟

حتى بين الأشقاء… يُفرّق المال. نرى الأم تميل إلى الابن “اللي يمونها”، تُغدق عليه بالدعاء والرضا، بينما تُقصي إخوةً لم تسعفهم الجيوب. الأب ذاته، في كثير من البيوت، يوزع حنانه بحسب ما يُعاد إليه من مال أو هدية. أليس هذا شرخًا في صميم الأبوة والأمومة؟

والجيران؟ يسارعون لزيارة “أبو فلان” الثري، يُباركون ويباركون، ويحرصون على أن تُرى وجوههم عنده. أما “أبو حسين” الفقير، فيُطرق بابه فقط حين يُطلب منه خدمة، أو يُعطى من الفائض صدقة، مشفوعة بنظرة شفقة لا تخلو من تكبّر.

حتى في المرض، المال يُقرر مَن يُعالج ومن يُترك ليصارع الألم وحيدًا. مستشفى خمس نجوم لغنيٍ يعاني من صداع بسيط، ومستشفى حكوميٌّ يئن تحت الإهمال لمريضٍ فقير يحتضر.

أصبح المثل الشعبي “معك قرش، تسوى قرش” حقيقة لا جدال فيها. بل ربما أصبح: “معك مال، أنت من تُصنّف الناس وتُكتب القوانين وتُصاغ المبادئ”. أما الفقير؟ فعليه أن يصمت، يعمل، ويموت بهدوء… حتى لا يُفسد على الأغنياء أناشيد التفاخر!

لكن، هل المال وحده المذنب؟ أم نحن الذين جعلناه الإله الذي نركع له؟ نحن الذين بدّلنا كرامتنا بثمن “عقد عمل”، واستبدلنا ضميرنا براتب آخر الشهر.

أليس من المعيب أن نرى هذا الانقلاب في الموازين، ونصمت؟ بل ونشارك فيه؟
أليس من الواجب أن نعيد للإنسان قيمته الحقيقية، بعيدًا عن رنين الدراهم؟

نعم، المال مهم… ولكنه لا يجب أن يُصبح مِقياسًا للكرامة ولا سُلّمًا للتقدير.
المجتمع الذي يُكرّم الغني الفاسد ويحتقر الفقير الشريف… هو مجتمعٌ في طريقه للانهيار.
اصبحنا نرى شباب خريجين ينتحرون بسبب البطاله
ومثلين ومتحولون يمتلكون مال واملاك وسيارات فارهه ..حتى بالقرأن ذكر المال قبل البنون .

مقاله من وحي ايام العيد وما يحدث بالمجتمع بالجرم المشهود .