واع / ماذا تعرف عن( التدخل السري للولايات المتحدة في العراق ) ؟!

الدائرة الالكترونية لوكالة انباء الاعلام العراقي / خالد النجار / لندن . بغداد
كما هو معروف فان كتابة الأحداث التاريخية مهمة صعبة تتطلب من المؤرخ والباحث حيادية عالية في تقصي الوقائع وتدوينها بأمانة بعيداً عن المؤثرات الفكرية والآراء والأهواء المحيطة بالباحث، كما ان كتابة التاريخقد خضعت قديماً وحديثاً، لقرارات وتوجهات الحاكم وسلطاته وبما يمتلك من إرادة في تزييف الحقائق، فتمكنت السلطات الحاكمة من طمس وإخفاء الكثير من الحقائق كي لا تُظهر العيوب ، كما ان تدوين الأحداث التاريخية الواقعية تنبع من الجماهير الواعية التي عانت الحدث وعايشته وتنقله للآخرين بمصداقية وأمانة متجردة من حب الذات والأنانية، هدفها الأساسي أن تصل الحقائق إلى الأجيال اللاحقة بدون تأويل. هناك الكثير من الأحداث التاريخية التي تم تحريفها وإعادة كتابتها من نافذة المهيمن على السلطة بطريقة مشوهة وبعيدة عن الحقيقة، منها ثورة العشرين في العراق وثورة 14 تموز 1958.
( وكالة انباء الاعلام العراقي ـ واع ـ الدائرة الالكترونية ) حاورت الكاتب والاكاديمي العراقي المقيم في بريطانيا الدكتورعبد الحسين الطائي بعد استعراضه كتاب (التدخل السري للولايات المتحدة في العراق ) والذي استعرض فيه مجمل الاحداث في العراق والتدخلات الاميركية وماتعرضت له (ثورة 14 تموز لمؤامرات متعددة) حاكتها قوى الظلام بتدخل سافر وتخطيط من الولايات المتحدة الأمريكية، ويؤكد االدكتور الطائي لـ ( واع ) :نحن استعرضنا في الكتاب وبغرض توثيق التدخل السري حيث أقدم الطالب الأمريكي ( ويليام زيمان) بتدوين وقائع الأحداث التي مرّ بها العراق منذ عام 1958- 1963، باطروحة أكاديمية في 2006-2007، بعد إطلاعه على مذكرات لموظف كبير متقاعد بالخارجية الأمريكية !استعرض فيها الكثير من التدخلات الأمريكية بالشأن الداخلي للعديد من الدول لأكثر من خمسين دولة، ولكن الشيء الذي أثار استغرابه عدم ورود أي شيء عن العراق، الذي هو قلب المنطقة الملتهبة من العالم، هذا الأمر أثار فضوله ودفعه للغوص بهذا البحث القيم.
ـ ويضيف الدكتور الطائي لـ ( واع ) : بمبادرة من المهندس كريم السبع، تمكن الاستاذ عبدالجليل البدري من ترجمة اطروحة البحث الأكاديمي ( التدخل السري للولايات المتحدة في العراق خلال الفترة 1958-1963) وجذور تغيير النظام في العراق الحديث بدعم من الولايات المتحدة. تمت مراجعته من الأُستاذ عادل حبة والمهندس كريم السبع، الذي نسق عملية طباعته في دار الرواد المزدهرة ونشره. لقد غطى البحث حقبة مهمة من تاريخ العراق المعاصر مسلطاً الضوء على طبيعة التعاون الوثيق بين حزب البعث ووكالة المخابرات الأمريكية (سي.آي. أي)، للإطاحة بالحكم الوطني في العراق وتصفية منجزات الزعيم عبدالكريم قاسم، لاسيما القانون رقم (80) الذي سحب امتيازات التنقيب عن النفط بالأراضي العراقية من الشركات النفطية الأجنبية.
(( التدخل السري للولايات المتحدة )) الحقيقة المرة !!
ويؤكد الدكتور الطائي : لقد اعتمد الباحث على أكثر من وسيلة لجمع المعلومات الشفاهية والمدونة، من خلال مجموعة من المقابلات والأحاديث والوثائق التي جمعها ووثقها على مدى ثلاثة اعوام حول الأحداث التي رافقت انقلاب 8 شباط / فبراير 1963 في العراق، وما واكبها من متغيرات وأحداث متعددة ومعقدة. اتبع الباحث منهج البحث التاريخي لسرد الأحداث مستعيناً بالوثائق الحكومية الرسمية المنشورة وغير المنشورة، لا سيما وثائق الخارجية الأمريكية ووكالة استخباراتها السرية التي ازيلت عنها السرية مؤخراً، بل ولحين اعداد الأطروحة لم تزل بعض السرية على اسطر تلك الوثائق السرية، مما يوضح السرية التامة التي كانت تجري بأجوائها الجهود الأمريكية المكثفة للإطاحة بحكومة ثورة تموز وقيادتها ، اسهمت وثائق العلاقات الخارجية للولايات المتحدة (Foreign Relations of the United States)، والبحوث المتوفرة في المكتبات الرئاسية، وما توفر من مقالات في الصحف والمجلات الرصينة في دعم توجهات الباحث وتقويم البحث. استخدم الباحث اسلوب المقابلة الشخصية الذي يُعد حجر الزاوية في وصوله إلى جوهر الحقائق وحصوله على أفضل المعلومات الجديدة عن خفايا التآمر الإنقلابي التي كشف عنها عدد من المسؤولين المتقاعدين في وزارة الخارجية: بيل (ويليام) ليكلاند وجيمس ايكنز، والمسؤولين السابقين في وكالة المخابرات المركزية: أد كاين، أرتشيبولد روزفلت، آرت كالاهان، ومن الانقلابي والوزير السابق في حكومة البعث هاني الفكيكي.
ـ ويضيف : كما توصل الباحث إلى حقائق مؤكدة وصريحة بحقيقة هذا التعاون السري بين حزب البعث والولايات المتحدة من خلال الوثائق والتصريحات الشفهية للمسؤولين الأمريكان والعراقيين مثل: علي صالح السعدي، الذي أدلى بتصريح لمجلة الطليعة المصرية في منتصف الستينات أكد فيه: ( نحن جئنا إلى السلطة بقطار أمريكي) وأثنى على هذه المعلومة وغيرها القيادي في حزب البعث هاني الفكيكي في كتابه (أوكار الهزيمة) موضحاً دور الوكالات الأجنبية ودور المخابرات الأمريكية في التدخل في الشؤون الداخلية للعراق ودول المنطقة ، وفي مقابلة عام 1991، مع “الكسندر كوكبرن” (Alexander Cockburn)، رئيس قسم الشرق الأوسط وجنوب آسيا في وكالة المخابرات المركزية في أوائل الستينات أوضح بأن: جيمس كريتشفيلد اعترف بأن انقلاب 1963، كان الانقلاب المفضل عند (السي. آي. أي)، كنا حقاً على علم بكل تفاصيل ما يجري… واعتبرناه انتصاراً كبيراً.
ـ ويضيف الدكتور الطائي : لقد تكونت الأطروحه من ملحقين وتسعة فصول، تضمن الفصل الأول مقدمة توضيحية لحدث 14 تموز الذي قاده الزعيم عبدالكريم قاسم مع مجموعة من الضباط، بانقلاب عسكري، الذي أعلن إنهاء مرحلة الملكية والشروع بالعهد الجمهوري الجديد. هذا الحدث سرعان ما تحول إلى ثورة عارمة غطت جميع مناطق العراق تقريباً، وكان النبأ المثير متصدراً صفحات صحيفة “نيويورك تايمز”، مما أقلق وأذهل واشنطن ودوائرها ، كما زاد قلق المؤسسة الاستخباراتية الأمريكية (سي آي أي ) في آذار/مارس 1959، عندما تمت الإستعانة بقوى شيوعية لقمع تمرد قومي عربي في الموصل. هذا الحدث أشعل النقاشات في وكالة المخابرات المركزية ومجلس الأمن القومي بأن الوضع في العراق هو أشد الأوضاع خطورة في العالم، وان القوى الشيوعية على وشك السيطرة على العراق بشكل تام، مما دفعهم بالتفكير باتخاذ إجراءات عديدة خلال السنوات الأربع اللاحقة، ومن بينها غزو العراق كما جاء في الوثائق الرسمية، هذا الإجراء الصريح يدل على طبيعة نمط التفكير الأمريكي، بأن فكرة غزو العراق ليست جديدة بل هي قديمة، تحركها توجهات المصالح الأمريكية في المنطقة.
ـ مضيفا : لقد تناول الفصل الثاني المؤلفات التاريخية حول التدخل السري الأمريكي في العراق للسنوات 1958-1963. تطرق الباحث إلى مجموعة من الكتب التي تشير من قريب أو بعيد لطبيعة التدخلات السرية الأمريكية في الشأن العراقي، مستفيداً من الوثائق الرسمية المنشورة، والمقابلات وتصريحات البعض من المسؤولين. أشار الفصل الثالث إلى ردة فعل الولايات المتحدة على انقلاب 1958، بعد قراءة نص البيان الأول للنظام الجديد من الراديو، وإندفاع الجماهير الشعبية للإحتفالات الصاخبة ورفعها لشعارات معادية للغرب، لا تخلو من ممارسات عنفية، وتعرض بعض البريطانيين والأمريكيين للقتل. هذه الأحداث جعلت الشرق الأوسط محط اهتمام الولايات المتحدة في برامجها ومخططاتها المستقبلية ، كما خصص الباحث الفصل الرابع لطبيعة القلق الذي أصاب الولايات المتحدة من فوبيا إنتشار وتزايد نفوذ الشيوعية في العراق، لا سيما تعمد النظام الجديد من تصعيد خطاباته المناهضة لسياسات الغرب. وأوضح الباحث حقيقة الصراع الداخلي على الساحة العراقية بين طرف يريد الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة يقوده عبدالسلام عارف، وطرف يدعو إلى نهجٍ أكثر استقلالية يقوده عبدالكريم قاسم. تابعت امريكا الوضع العراقي ولاحظت نقاط الضعف التي يمكن النفاذ من خلالها لزعزعة الحكومة الجديدة، فبدأت باستخدام مختلف الأدوات المتاحة في تدبير الدسائس كالخلاف مع الأكراد وتحريك عناصر التيار القومي في الجيش بالقيام بتمرد الموصل في آذار/مارس 1959.
ـ مؤكدا : لقد كرس الباحث الفصل الخامس لمحاولة الاغتيال للزعيم عبدالكريم قاسم واتصالات(السي آي أي) مع البعث بعد أحداث الموصل، وإمكانية تغيير النظام بعملية خفية كما حصل مع “مصدق” في إيران للتخلص من النفوذ الشيوعي في العراق. وسرد الباحث أبعاد التنسيق مع الرئيس المصري جمال عبدالناصر للقيام بدوره التآمري على العراق بحيث تبقى نشاطات الولايات المتحدة بعيدة عن الأنظار ،وبعد فشل الحركة الإنقلابية في الموصل واعدام (13) متهماً من المشاركين في 20 سبتمبر 1959، أثار سخط القوميين العرب. واعدام اربعة من أركان النظام القديم أثار الولايات المتحدة، فقررت وكالة المخابرات المركزية شق الصف الوطني العراقي والتخطيط لإغتيال عبدالكريم بالتنسيق مع الأطراف المتعاونة معهم. خولت فريقاً للإغتيال ضم ستة من عناصر حزب البعث بينهم نصير اسمه “صدام حسين”. حدد موعد الاغتيال بيوم 7 تشرين الأول/اكتوبر، لكن المحاولة فشلت، وحسب رأي الغالبية من المؤرخين بأن سبب الفشل يعود لتهور وانفعال “صدام”، الذي فقد اعصابه وبدأ يطلق النار قبل الأوان.
ـ واضاف : كما اعطى الباحث في الفصل السادس توضيحاً للتدخل السري الخفي للولايات المتحدة قبل انقلاب شباط، مؤكداً بأن العلاقات بين العراق والولايات قد أخذت طريقاً آخراً بعدما بدأ قاسم بتطهير الجيش من الشيوعيين ورفضه اجازة حزبهم. لقد طرأ تحسن على علاقات مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية مع العراق خلال عام 1960، وعلى أثر ذلك سُمح بمساعدات امريكية وتبادل ثقافي محدود، فانحسر التدخل الأمريكي الخفي، ولكن علاقات وكالة المخابرات مستمرة مع عراقيين معارضيين في الخارج. وبحلول نهاية نفس العام أقرت حكومة الولايات المتحدة بأن حزب البعث ينافس الحزب الشيوعي من حيث القيادة والتنظيم والقدرة على التحرك في الشارع ، كما قام البريطانيون باحتلال الكويت في تموز 1961، عندما طالب العراق بالكويت في 25 حزيران 1961. واقدم العراق على خطوة جريئة بمصادرة كل الأراضي المشمولة بامتياز شركة نفط العراق والشركات التابعة لها عدا الأراضي المستثمرة بوقتها من قبل شركات النفط العاملة. هذا الإجراء جعل الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً جديدة، ونشأ لديهم شعور قوي بضرورة التدخل في الشأن العراقي. كان صدام واحداً من الذين اتصلت بهم وكالة المخابرات المركزية في القاهرة، وتكررت زياراته للسفارة الأمريكية.
ـوأكد الباحث : أن العراق قد شهد تصعيداً كبيراً في التآمر ضد قاسم في عام 1962، وبحسب وثيقة تعود لسفارة الولايات المتحدة في بغداد والمؤرخة في 25 حزيران 1962، بأن مجموعة من الضباط “القوميون المعاديين للشيوعية” خططوا لاسقاط الحكومة العراقية وفاتحوا البريطانيين بمخططهم. وطلبوا تأكيدات بأن ينالوا اعترافاً سريعاً وتزويدهم بمعدات عسكرية. وتشير هذه الوثيقة إلى برقيتين على الأقل تستعرضان اتصالات السفارة بمتآمرين في صفوف الجيش العراقي. عكست هذه الوثيقة مدى عمالة التيار القومي في العراق وخيانته للوطن العراقي بطلبه الصريح بمساعدة جهات أجنبية في التدخل بالشأن الوطني. وأشار الباحث إلى الوثائق التي أكدت بأن بريطانيا بعد أقل من شهرين على الإنقلاب وافقت على تدريب عدد من الضباط العراقيين وتزويد العراق بكميات كبيرة من الاسلحة والمعدات ،وكرس الباحث الفصل الثامن للأحداث المأساوية التي رافقت الإنقلاب الدموي. وفي الأسابيع التي اعقبت الإنقلاب قام المدنيون المسلحون (الحرس القومي) بملاحقة عشرات الآلاف من الشيوعيين واليساريين والمتعاطفين معهم، وسجنهم وتعذيبهم واطلاق النار عليهم. تعرضت الكثير من شرائح المجتمع العراقي من الشباب والشيوخ والنساء لكل صنوف التعذيب في قصر النهاية وغيره من السجون، باشراف الجلاد ناظم كزار الذي كان يتلذذ في ممارسة كل أساليب التعذيب هو ورفاقة.
ـ واخيرا تطرق الباحث في الفصل الأخير: ان التداعيات وطبيعة التناقضات والانشقاق والصراع الذي دار بين الجناح العسكري المتطرف بمواصلة حملة الاعتقالات وملاحقة الشيوعيين واليساريين بأساليب أشد قسوة، وبين الجناح الذي يدعو إلى الإعتدال. وأشار إلى أساليب البعث وعودته إلى السلطة بانقلاب 1968، وضلوع الولايات المتحدة في هذا الانقلاب ،وختم الباحث استنتاجه إن التجارب والعبر المهمة التي ينبغي تعلمها من دراسة اسلوب الولايات المتحدة في التعامل مع العراق هي أن سياساتها انصبت على معاداة الشيوعية، وهي سياسة عشوائية قادت اميركا إلى تقديم الدعم لزعماء لا يستحقونه، وقد تكرر السيناريو بعد 2003. ولهذا يحذر الباحث الولايات المتحدة ويدعوها بعدم التدخل مستقبلاً في الشأن العراقي.