واع /مفوضية حقوق الإنسان العراقية: عودة مطلوبة رغم التدخلات

واع / متابعة

استأنفت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق عملها مجدداً، بعد أشهر عدة على إيقافه إثر انتهاء ولاية أعضائها البالغة أربع سنوات، إذ ينصّ القانون على انتخاب مجلس جديد للمفوضية من قبل البرلمان العراقي، إلا أن حلّ البرلمان السابق قبيل إجراء الانتخابات التشريعية في البلاد في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيّد عمل هذه المؤسسة التي كلّفها الدستور مراقبة الجانب الحقوقي في العراق طوال الفترة الماضية.

يعتبر سياسيون عراقيون أن وجود المفوضية أفضل بكل الحالات، رغم المآخذ على عملها

وأصدرت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، السبت الماضي، بياناً هو الأول من نوعه لها منذ أشهر، قالت فيه إن رئاسة الجمهورية رفضت التصديق على قرار إنهاء عملها، لإخفاق البرلمان في التصويت على مرسوم جديد لها. ووفقاً للبيان، فإن “رئاسة الجمهورية أوصت أيضاً باستمرار عمل مجلس المفوضية إلى حين تشكيل المجلس الجديد”. كما تحدث البيان عن “استمرار الانتهاكات الموجودة والمتزايدة لحقوق الإنسان في العراق، والذي من المحتمل أن يوثر على تصنيف المفوضية دولياً”. وأكدت مصادر في مجلس المفوضين بمفوضية حقوق الإنسان في بغداد، أمس الجمعة، لـ”العربي الجديد”، أن الأسبوع المقبل سيشهد اجتماعاً لأعضاء مفوضية حقوق الإنسان بعد استعادة صفتهم الرسمية، متحدثة عن “استئناف عمليات الرصد الحقوقي وإعداد التقارير والمواقف المتعلقة بملف حقوق الإنسان في العراق، مع إصدار توجيهات بصرف مرتبات أعضاء المفوضية المتأخرة”.

مفوضية الانتخابات العراقية تنهي تدقيق المحطات المطعون فيها

وانتهت فترة ولاية أعضاء مفوضية حقوق الإنسان البالغ عددهم 11 عضواً في 20 يوليو/تموز الماضي، بعد إكمالهم فترة عمل امتدت أربع سنوات. ويقضي القانون أن يتولى البرلمان التصويت على أعضاء جدد للمفوضية، إلا أن مشاكل سياسية متعلقة بملف المحاصصة الحزبية والطائفية في اختيار الأعضاء، حالت دون ذلك إلى حين انتهاء عمر البرلمان. وبسبب محدودية أعضاء مجلسها الذي خوّله القانون صلاحيات رقابية واسعة، ظلّت المفوضية طوال السنوات الماضية مقيّدة، إذ كانت الكتل البرلمانية تصّر على تمرير أسماء الأعضاء من خلالها، ومن ثم التصويت عليهم، بواقع عضو عن الأقليات الدينية والعشرة الآخرين من المكونات الرئيسية الثلاثة في البلاد.

وتُعد مفوضية حقوق الإنسان في العراق، إحدى الهيئات المستقلة التي تأسست في عام 2008، وترتبط عملياً بالبرلمان، مثل هيئات مستقلة أخرى، على غرار هيئة الإعلام والاتصالات، ومفوضية الانتخابات، وهيئة النزاهة. ومهمة المفوضية رصد الانتهاكات الحقوقية في البلاد، وتلقي الشكاوى والتحقيق فيها، ورفع الدعاوى القضائية ضد المتورطين بجرائم العنف المختلفة، ومراقبة عمل السجون ومراكز الإصلاح، وأداء عمل المؤسسات الأمنية والعسكرية في الجانب الحقوقي.

وأكد عضو مجلس المفوضين في المفوضية، فاضل الغراوي، أن “المفوضية ستباشر تنفيذ خطة عمل جديدة، أقرتها أخيراً، تتعلق برصد وتوثيق كافة انتهاكات حقوق الإنسان، وتنظيم العلاقة الإيجابية بين مؤسسات الدولة، والتعاون مع الوكالات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان والأمم المتحدة”، مضيفاً أنها “ستسعى بكل جهدها إلى تنفيذ متطلبات دعم ونشر وتعديل واقع حقوق الإنسان في العراق”. وشدّد الغراوي، في حديث لـ”العربي الجديد”، على أنه “سيتم أيضاً العمل خلال هذه الفترة على إصدار التقارير الرسمية، خصوصاً التقرير السنوي لحقوق الإنسان في العراق، وتنظيم كل التفاصيل الأخرى، وإجراء الزيارات الميدانية إلى مؤسسات الدولة، للوقوف على واقع حقوق الإنسان فيها”، مشيراً إلى “أننا سنناقش أيضاً خطتنا السنوية للسنة المقبلة، والتي تتضمن فعاليات كانت قد توقفت بسبب جائحة كورونا والمشاكل الحاصلة في البلد”. ودافع عضو المفوضية عن عملها، مؤكداً أنه “لا يمكن التأثير عليه من قبل بعض الجهات”. ورأى أن المفوضية “عملت في كل الأجواء السابقة، وكانت مهنية، وقدّمت مواقف مهمة ابتعدت عن مجال التأثير في المحيط السياسي باعتبارها جهة رقابية”.

أكدت المفوضية أنها ستباشر عملها بخطة جديدة

وعلى الرغم من المآخذ العديدة على عمل المفوضية في ما يتعلق برصد الانتهاكات الحقوقية لفصائل مسلحة ومليشيات ناشطة، عدا عن ملف السجون وتقارير التعذيب فيها، إلا أن سياسيين عراقيين يعتبرون أن “وجودها أفضل بكل الحالات”، بحسب تعبير عضو التيار المدني أحمد حقي. واعتبر حقي في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن المفوضية “مقيّدة في عملها بسبب المحاصصة الطائفية والحزبية التي يتم على أساسها اختيار أعضائها”، مضيفاً أنه “لا يُسمح لها برصد كل شيء، ولها سقف محدود”، ومذكراً بأن “عمليات قمع التظاهرات وقتل الناشطين المدنيين على يد مليشيات معروفة، هو دليل على ذلك”.

ورحّب القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، بعودة عمل المفوضية، لكنه لم يستبعد محاولات التأثير عليها سياسياً من قبل بعض الأطراف. وقال شنكالي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “حل المفوضية من قِبل البرلمان السابق كان خطوة غير مهنية، لأن عدم وجود مفوضية في هذا الوقت ولّد فراغاً كبيراً لجهة متابعة الكثير من التفاصيل المهمة التي تحصل في العراق، والتي تتعلق بأوضاع حقوق الإنسان”. ورأى أنه “على الرغم من أن عمل المفوضية لم يكن بمستوى الطموح، إلا أنها أصدرت مواقف وبيانات بشأن النازحين والتظاهرات وغير ذلك من ملفات انتُهكت فيها حقوق الإنسان، وهو أمر مهم بالنسبة لبلد كالعراق”. وشدّد شنكالي على أن “وجود المفوضية ضروري جداً، ويقدّم انطباعاً جيداً عن العراق ورعايته لحقوق الإنسان، وهي مسألة تحظى باهتمام دولي وخصوصاً لدى الدول الديمقراطية ما يجعل عدم وجود المفوضية وهيئة حقوق الإنسان في العراق أمراً سلبياً”. واعتبر أنه “حتى لو تعرضت المفوضية إلى ضغوط معينة، إلا أنها ستُعرّف المجتمع الدولي بالملف الحقوقي في العراق، وسيكون لديها تعاون مع المنظمات الدولية، وهنا تكمن أهميتها، خصوصاً في هذه المرحلة الحسّاسة التي تمر بها البلاد”، معيداً التذكير بأن خطوة حل المفوضية لم تكن واقعية ولا قانونية.

أما القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، جاسم الحلفي، فأكد أن الجهات التي تتابع ملف حقوق الإنسان في العراق تتعرض للتضييق من قبل الأطراف المتنفذة. وقال الحلفي لـ”العربي الجديد”، إن “قرار حلّ المفوضية دلّ على عجز البرلمان وعدم متابعته لمهامه، وإذا كان عمر المفوضية قد انتهى فعلاً، فمن المفترض على البرلمان أن يناقش الملف قبل قرار حلّها، وأن يشكّل مفوضية جديدة قبل ذلك”. واعتبر الحلفي أن “حل المفوضية من دون تشكيل مفوضية جديدة محاولة لإنهاء الصوت المتفرد بمتابعة حقوق الإنسان، إذ شهدنا أن المفوضية رصدت العديد من الانتهاكات وحالات الخطف وملف المهجرين بتقارير اتسمت بالحيادية والإنصاف”.