واع / قصة قصيرة / رسائل

واع / سولاف هلال

نوبة الفزع تعاودني للّيلة الثاّلثة على التّوالي .. هجرتني الأحلام منذ زمن، لماذا تعود الآن حاملة معها كل هذا الأرق ومن أجل مَن هذه المرّة ؟!
قطرات الماء لا تبلل جفاف حلقي ، و حزم الضوء لا تهدأ روعي ، ثمّة من يستغيث .. “ساعديني “.
في فترة مزدهرة من الحياة كانت أحلامي عبارة عن رسائل تحثّني على ممارسة عمل ساعي البريد ، فأقوم طائعة بتوصيل تلك الرّسائل إلى أناس لا يثقون بأحلامهم فيتجاهلونها عن عمد أو دونما قصد ، لكنهم و يا للغرابة يثقون بأحلامي ثقة الغريق بيد يتمنى أن تنجح في إنقاذه من خطر أكيد.

كنت ولا أزال غير ملمّة بحقيقة ما يحدث ، و لا أعرف كيف يتسنّى لي معرفة الجانب الخفي من حياة الآخرين ، و من يوكل لي مهمّة تحذيرهم من مكائد تحاك لهم أو مخاطر توشك على الحدوث ، لكن ما أنا أكيدة منه هو قدرتي على فك رموز أي حلم، وهذا ما يجعل مهمّتي سهلة و مكلّلة بالنجاج .

أخر الرّسائل كانت هي الأغرب والأصعب بالنسبة لي ، فهي تخص زميلة لا أعرف عن حياتها شيئا على الاطلاق ، لأنها حرصت من البداية أن تضع حاجزا بيني و بينها لأسباب أجهلها ، بينما حرصت أن أمد جسورا للصداقة ،و سعيت مرة تلو أخرى لتحطيم ذلك الحاجز دون جدوى ، و حتى يتعقد ما هو معقد من الأساس ، اضطرّتني بسبب مشكلة مهنيّة طارئة إلى إقامة حاجز كحاجزها و ربما أشدّ، ولكنني على الرغم من ذلك كلّه، قمت بما ينبغي عليّ القيام به على الفور ، بينما اتخذت هي التّدابير اللّازمة بأقصى سرعة ، و هذا ما أمّن وضعها و مكّنها من احباط خطة طليقها للاستيلاء على المنزل الذي تقيم فيه بصفتها حاضنة .
كان يرتّب أمرا لو قدّر له أن يتمّ لتعرّضت لأمرين ، أولهما أن تقع تحت طائلة القانون ،وثانيهما أن تغدو بين ليلة و ضحاها منبوذة و بلا مأوى ـ ناهيك عن العنف الجسدي الذي كانت ستتعرض له إذا ما تمّ له ذلك ، هذا ما رأيته في المنام وما أكدته هي لي بعد نجاحها في إفشال مخططاته.

الوقت يتطاير كالدخان .. عقارب الساعة تثير حنقي .. جفاني النوم و جفوته ،عادة ما يحلّ السهاد بحلول القلق والاضطراب،كيف لا و نداء الاستغاثة لا ينفك يرن في أذني و كلمة ساعديني تعبئ فضائي و تملأ الكون .

أحاول أن أستعيد توازني لأتمكن من جمع الصور وفك رموز الحلم .. الحقيقة تصدمني ، حيث لا صور .. لا رموز ..لا حلم !!.
صوت .. مجرد صوت ولا شيء غير الصّوت .. كيف لي أن أعرف صاحبه وأنا أجهل مصدره و سبب استغاثته ، وأية عبقرية ستتمخّض عن كائن ادّعى البلادة حتى أتقنتها .
أستعرض وجوه أقرباء وأصدقاء لم أرهم منذ زمن طويل ، أستدعي أصواتهم .. تأتيني صاخبة مليئة بالبهجة والحبور .. يعاودني التوتّر ، أصواتهم لا تشبه الصوت الذي يملأ كياني ، إنه حزين و مرتعب ويبدو كمن لا صلة له بهذه الحياة .

أستاء من بلادتي و هذا البطء ، ماذا عساي أن أفعل و أنا أقف ككائن أعزل فقد سلاحه ذات انهزام ،قد لا يحتمل الأمر هدر المزيد من الوقت ، دافع غريب يحثني على فعل شيء .. أي شيء وحسم هذا الموقف .
شعور بالذنب بدأ يعتريني وأنا أحاول البحث عن وسيلة أخرى تمكنني من التّعرف على هوية صاحب الصّوت الذي ينتظر منّي الدعم والمساعدة ، الشّعور أخذ يكبر و يتعاظم حتى وقف أمامي وجها لوجه في هيئة تماثلني ، قال بصوت آمر يصعب تجاهله ، كفّي عن ممارسة هذه اللّعبة الخطرة .. الحياة تمضي كالقطار دون أن تلتفت إلى من تخلّف عن الرّحلة ،، ثم أن الرحلة مشروطة من البدء باجتياز كلّ الاختبارات مهما بلغت درجة صعوبتها ، لماذا الوقوف إذاً عند حدود الأزمة وخلق أزمة .

هذه رسالة أخرى صريحة و مباشرة !
لا شيء يعمّق الصّلة بالذّات غير المواجهة على أن أتبع الارشادات لأني سئمت من المراوغة .
لم يكن الصّوت غريبا عنّي .. و قد عرفته منذ الصّرخة الأولى و تغاضيت عنه ، لطالما سمعته يصرخ و يستجير مطالبا بفتح منافذ النّور والعودة إلى الحياة ، و لكم أهملته لكأنّني لم أسمعه من الأساس ، لكنّ الرسالة وصلت بقوّة هذه المرّة ، وصلت تباركها روح الحياة .