واع /زيارة بيلوسي لتايوان.. استفزاز يشعل صراعاً صينياً مفتوحاً مع واشنطن/ تحليل سياسي

واع / بغداد / ليث هادي أمانة

شكلت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي مع وفد من الكونغرس إلى تايوان في جولة آسيوية تشمل سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان ، استفزازا لبكين وسط تحذير صيني من أن ذلك سيؤدي إلى “تطورات وعواقب خطيرة جدا” و”تدخلا جسيما في الشؤون الداخلية للصين” وتوجس أميركي من قيام الصين باستفزازات عسكرية في المنطقة، بما فيها إطلاق صواريخ من جانب كما رفعت وزارة الدفاع التايوانية حالة التأهب القصوى على خلفية زيارة بيلوسي إلى تايبيه من جانب آخر.

في الوقت الذي تعتبر الصين الصين زيارات المسؤولين الأميركيين لتايوان إشارة تشجيع للمعسكر المؤيد للاستقلال في الجزيرة عدم تغير السياسة الأميركية إزاء الصين الواحدة ، توعل الولايات المتحدة على عدم رد صيني قوي عدة الموضوع أن الصين في حالة “تموضع” لاستعراض عمل عسكري محتمل حول تايوان يتخلله ربما إطلاق صواريخ في مضيق تايوان، أو حول تايوان”، مشيرا أيضا إلى “احتمال دخول جوي على نطاق واسع إلى منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية” ليس ذلك فحسب بل دعت واشنطن الصين للتصرف بمسؤولية وعدم الانخراط في أي تصعيد.

السؤال المهم هنا لماذا هذه الزيارة وفي هذا التوقيت بالذات؟

واشنطن لا تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان، لكنها ملزمة بموجب القانون الأميركي بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها. قانون العلاقات مع تايوان الذي يحمل الرقم H.R2479 والذي صدر عن الكونغرس في 10 نيسان 1979 هو قانون صادر عن كونغرس الولايات المتحدة ووقعه الرئيس جيمي كارتر. ألغت الولايات المتحدة معاهدة الدفاع المشتركة مع جمهورية الصين (ROC) على تايوان. ويشرف على تنفيذ هذا القانون منذ ذلك الوقت المعهد الأمريكي في تايوان (AET)- وذلك بدون تمثيل حكومي رسمي.

في عام 1997 كان مجلس النواب الأميركي الجمهوري نيوت جينغريتش قام بزيارة تايوان ، و بيلوسي نفسها قد زارت سابقاً حين كانت نائبة عن ولاية كاليفورنيا ميدان تيان آن مين في عام 1991، بعد عامين من اخماد الحكومة الصينية للاحتجاجات الواسعة النطاق في بكين، زارت الميدان خلسة من مرافقيها الصينيين، ورفعت مع اثنين من زملائها لافتة تُكرّم ضحايا قتلوا على أيدي القوات الصينية. لذلك تحمل الصين ضغينة تجاه بيلوسي التي تمتلك تاريخا طويلا من العداء للصين وسياساتها تجاه قضايا حقوق الإنسان .

حسب نظرية الفيلسوف والباحث الاقتصادي الإسكتلندي آدم سميث : الحروب هي أحد أهم الطرق والوسائل لحل الازمات الاقتصادية، ، وامريكا تعيش حاليا أزمات اقتصادية متفاقمة، حيث وصلت نسبة التضخم سقف العشرة في المئة، اما الدين العام فقد تجاوز حاجز 30 تريليون دولار، والدول التي كانت تلجأ الى شراء سندات الخزانة الامريكية لامتصاص هذه الازمات مثل أوروبا واليابان وقبلهما الصين، بدأت في سحب هذه السندات تدريجيا من أمريكا خوفا من التضخم المتصاعد، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه من استشماراتها، قبل الانهيار الكبير. وواشنطن كانت قد فرضت ضرائب كبيرة على البضائع الصينية كنوع من الحرب الاقتصادية العدائية الواضحة والدبلوماسية ايضا فقد اعلنت الخارجية الصينية إلغاء لقاء وزير خارجيتها مع نظيره الياباني في اجتماعات دول مجموعة السبع (آسيان) المزمع عقده في عاصمة كمبوديا بنوم بنه بسبب تصريحات هذه الدول بشأن الوضع في تايوان ، مما لايدع مجالا للشك بعدم فاعلية حلول اميركا القديمة في طبع التريليونات من الدولارات غير المدعومة بالذهب في تحييد ازماتها، ووصوله الى قناعة بأنها تريد زعزعة أمن واستقرار جميع خصومها، خاصة الصين وروسيا، ومن ثم أوروبا.

على الرغم من الرئيس الصيني شي جين بينغ نظيره الأميركي جو بايدن إلى ضرورة التزام واشنطن بمبدأ “صين واحدة”، وحذر من أن “أولئك الذين يلعبون بالنار سيكتوون بها”. وفي المقابل، أبلغ بايدن الرئيس الصيني أن سياسة الولايات المتحدة بشأن تايوان لم تتغير، وأن واشنطن تعارض بشدة الجهود الأحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن أو تقويض السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان. الا ان زيارة بيلوسي قد تمت بالفعل الامر الذي يقوض جهود السلام في مضيق تايوان ويجعل الصراع مفتوحا بين الطرفين إذ قوبلت الزيارة باختراق طائرات صينية طراز Su-35 لخط الوسط لمضيق وغلق المجال الجوي في معظم اجوائها الى جانب اجراء الجيش الصيني مناورات في ست مناطق محيطة بالجزيرة باحدث المعدات العسكرية، وذلك بالتزامن مع تحرك سفن حربية صينية في المضيق. فهل  يرغب فريق الأمن القومي لبايدن في تكرار تجربة 1996 (الصراع حول تايوان بين إدارة كلينتون والصين) في حين أنه غارق في مجابهة “الغزو” الروسي لأوكرانيا؟ ويبدوا ان هذا جزءا من التفسير يتمثل في أن إدارة بايدن لا تزال ملتزمة بأن تكون أكثر تشددا بشأن الصين من سابقتها، نظرا إلى الاعتقاد داخل الحزب الديمقراطي بأن التشدد ضد الصين أمر مهم لكسب الانتخابات الوشيكة في تشرين الثاني المقبل. ومن الواضح ان لإدارة الديمقراطية تسير في مسار تصادمي لم يكن لسابقتها المجازفة به على الإطلاق اقله خشية بعض مسؤولي إدارة بايدن من أن القادة الصينيين قد يحاولون التحرك ضد الجزيرة ربما بمحاولة قطع الوصول إلى كل مضيق تايوان أو جزء منه؛ الذي تمر عبره السفن البحرية الأميركية بانتظام.

سيناريوهات الرد الصيني

تختلف الرؤى برغماتيا واستراتيجيا في ماهية الطريقة التي ستنتجها الصين في الرد على “الاستفزاز” الامريكي، إذ يمكن ان نوجزه بما يلي :

اولاً- حرب الرقائق الالكترونية : تايوان تسيطر على 92% من صناعة “الرقائق الإلكترونية” و”أشباه الموصلات” في العالم، وهاتان الصناعتان يعتمد عليهما العالم في جميع منتجاته، بدءاً من هواتفه مروراً بالأجهزة الكهربائية في منزله وصولاً للأجهزة الطبية والأقمار الصناعية ومنصات إطلاق الصواريخ للدولة والطائرات والدبابات والرادارات ومولدات الكهرباء. ومن المعروف ايضاً ان شركة “TSMC” التايوانية أهمّ وأقوى الشركات العالمية العاملة بمجال التكنولوجيا، والمسيطر الفعلي على عقول الأجهزة الإلكترونية في الوقت الحالي، فضلاً عن سيطرتها على أكثر من 56% من الحصة السوقية للرقائق الإلكترونية، بات الحفاظ على استقرارها ومنع قطع خطوط امتداداتها أمراً غاية في الأهمية لعمالقة صناعة الأجهزة الإلكترونية مثل “أبل” و”إنتل” و”انفديا” وغيرها كثير. وتصنّع هذه الشركة الرقائق الإلكترونية التي تُعتبر العقول الإلكترونية لمعظم أسلحة الترسانة العسكرية الأمريكية، ومن أهمها رقائق تخصّ الطائرة الشبحية الأمريكية من الجيل الخامس “F-35”. وهذه الشركة للمعلومة متعددة الجنسيات وبلغت التكلفة الإجمالية لتأسيس الشركة وقتها نحو 220 مليون دولار في عام 1987 كمشروع مشترك بين حكومة تايوان بنسبة 21% وعملاق الإلكترونيات الهولندي متعدد الجنسيات Philips بنسبة 28%، بالإضافة إلى مستثمرين آخرين من القطاع الخاصّ ، وحسب آخر الإحصائيات والتقييمات، وصل عدد موظفي الشركة إلى 50 ألف موظف داخل منشآتها الـ18 الموجود معظمها في تايوان، وبينما بلغت قيمة الشركة السوقية قرابة 550 مليار دولار، أعلنت إدارة الشركة نيتها صرف نحو 100 مليار دولار خلال السنوات الـ3 القادمة على عمليات البحث والتطوير. ولكن المجتمع التايواني يعتبر صناعة الرقائق هو (ماء الحياة) بالنسبة لهم واعتماد هذه الصناعة على 90 متر مكعب من المواد الاولية يأتي من الصين الامر الغير مستبعد بان تضرب الصين حصارا حول هذه الصناعة التي يتعتمد عليها العالم . ولابد من اشير الى ان نانسي وزوجا قد تحصلت على مبلغ 30 ميون دولار لاستثماراتهما في مجال البورصة الالكترونية في تداولات الأسهم التي شملت شركات التكنولوجيا الكبرى.

ثانيا- الرد العسكري : تكتيكات الضغط الصينية في المنطقة الرمادية الحدودية يتزامن مع أرسال الولايات المتحدة سفناً بحرية تابعة لها عبر مياه تايوان. الامر الذي ينذر بالخطر فعلاً يمكن ان نبينه من خلال النقاط التالية:

  1. جرى الجيش الصيني تدريبات عسكرية بالقرب من مضيق تايوان، حيث قام باستعراض جانب من قدراته العسكرية وآلياته في مقاطعة فوجيان الجنوبية المطلة على مضيق تايوان. وقد أعلنت وزارة الدفاع الصينية إطلاق مناورات عسكرية بدءا من يوم الخميس حتى الأحد المقبلين في 6 مناطق بحرية تحيط بجزيرة تايوان. كما أعلنت تايوان حالة التأهب العسكري، وأكدت قدرتها على حماية أمنها ورفع مستوى الإنذار القتالي لقواتها . وبالمقابل اطلقت الصين صاروخا باليستيا قصير المدى من طراز DF-15  باتجاه مضيق تايوان.
  2. سيناريو متوقع اخر ، انه لما كانت بكين تعتبر أن الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي جزء من أراضيها، وتقول إنها عازمة على استعادة السيطرة عليها ولو بالقوة. ربما تنفذ غزو لبعض أو كل جزر تايوان البعيدة عن الجزيرة الرئيسة لإجبار تايوان على الخضوع لها. اذا علمنا ان كل من جزيرتي كينمن وماتسو تقع على بعد حوالي 10 كيلومترات قبالة ساحل الصين الرئيسي، وتعرضتا لقصف مدفعي مستمر في العقود التي تلت نهاية الحرب الأهلية الصينية في خمسينيات القرن الماضي.
  3. ويمكن أن تستهدف بكين أيضا مصالح تايوانية أخرى في بحر جنوب الصين، مثل جزيرة براتاس المرجانية أو حتى تايبينغ الواقعة في سلسلة جزر سبراتلي البعيدة أو الاستيلاء على أرخبيل بينغو الأقرب إلى تايوان والذي يقع على بعد حوالي 50 كيلومترا من الجزيرة الرئيسة.
  4. ويمكن عدم مهاجمة الجزيرة الرئيسية واستخدام عمليات الضم للضغط الدبلوماسي والنفسي على تايبيه. وقد تختار بكين أيضا فرض حصار كامل على مضيق تايوان، ما يمنع إدخال وإخراج أي شيء من تايوان وربما إلى أجل غير مسمى.
  5. فرض حصار محلي على موانئ تايوان الحيوية ومطاراتها ومسارات رحلاتها الخارجية، لقطع خطوط اتصالاتها الجوية والبحرية والتأثير على تدفق إمداداتنا العسكرية ومواردها اللوجستية وكذلك استدامة العمليات”. ويمكن أن تفرض الصين إغلاقا جمركيا، أي السيطرة بشكل فعال على الحدود الجوية والبحرية لتايوان ومعاينة السفن والطائرات الآتية والسماح بمرور المركبات المصرح بها وتحويل “المشبوهة” إلى الموانئ الصينية الى جانب حصار اقتصادي خانق.
  6. يمكن ان تلجأ بكين إلى تنفيذ ضربات جوية وصاروخية وحتى بالمدفعية لتدمير البنية التحتية العسكرية والمدنية الرئيسة، ما سيؤدي إلى شلّ دفاعات تايوان.
  7. يمكن ان ينفذ الجيش الصيني هجوما إلكترونيا هائلا مدعوما بتشويش على نطاق واسع، وأشكال أخرى من الحرب الإلكترونية على الجزيرة لتعطيل البنية التحتية الحيوية وروابط القيادة العسكرية”.