واع / بهـارات المطبـخ البغـدادي .. لون وطعـم الاكلات العراقية !


واع /بغداد/

ابراهيـم فـؤاد

عندما يبدا الحديث عن الطبخ والطعام ونكهاته الطيبة ،لابد ان يكون المطبخ البغدادي حاضرا امامنا ، بدلالة انه أشهر المطابخ العربية والاوربية منها! كما ان فيها نوعا من الغموض المرغوب في معرفة اسراره كونه يعتبر سرا لطريقة الطبخ ومعرفة نوعية البهارات المستخدمة وكمياتها وانواعها ومصادرها ايضا ..ومن أهم تلك الاسرارالمطبخية هي الفلفل الأسود المطحون والقرنفل والكزبرة والسماق والزعتر وجوزة الطيب والزعفران واللومي. هذا إلى جانب مزيج البهارات الذي يجمع عدة توابل معًا ويستخدمها الناس في مطابخهم ويقدمونها ضمن اطباقهم المفضلة لدى الجميع وخاصة الاجانب والسياح الذين يزورون العراق، واشهر تلك الاكلات مثل الدولمة والقوزي وتشريب اللحم والمخلمة والكفتة وشيخ محشي الباذنجان والتكة والكباب والمعلاق والمقلوبة ..والقائمة تطول، وغيرها من الأكلات العراقية الشهيرة،في هذا التحقيق الصحفي ناخذكم في جولة مابين مطاعم واسواق وبيوت تحدثنا عن البهارات ،وانواعها واهميتها..
(واع ).. عندما اتجول في سوق العطارين في الشورجة ،لابد ان تكون تلك الرائحة الطيبة من روائح التوابل والبهارات هي ما يميز اقدم واشهر اسواق بغداد، والشورجة تحكي تاريخ الحياة في بغداد القديمة ،والتي اطلق عليها المؤرخون تسمية سوق (الرياحين) ومع مرورالزمن استبدلت الى سوق (العطارين) ثم جاءت تسميتها الاخيرة (الشورجة) ومعناها (البئرالمالح ـ باللغة التركية ) فهي سوق متخصص للمنتجات الزراعية والعطور والاعشاب والمنتجات اليدوية ،ويقف بجانبها عدد من الاسواق القديمة ،مثل سوق القماش وسوق الصفارين وسوق الغزل و(عكد الجام) و (عكد النصارى) وسوق السراي وشارع النهر وسوق دانيال حيث كانت بغداد في رصافتها اكثر سكانا من جانب الكرخ ،اضافة الى وجود جميع دوائر الدولة، مثل مقرالخلافة ( ديوان الوالي ) ومقرالجند والمحاكم والمدارس .
سالنا الحاج ابو ثامر وهو رجل كبير السن يقضي معظم وقته في السوق ويجلس في دكان احد اصدقائه القدماء يقول لـ ( واع ) :انا احدثكم عن سوق الشورجة حيث توجد اسواقً متخصصة منها سوق الصابون وسوق التوابل وسوق القرطاسية واخر للزجاجيات والفرفوري ( الخزفيات ) والفافون ( الألمنيوم ) إلى غير ذلك ،وفيه الخانات (وهي اشبه بالمخازن الخاصة بالبضائع منها (خان لاله الصغير)، و (خان جني مراد) و(خان الامين) و(خان الاغا الكبير) وفيها جامع النخلة وجامع النوبجي اضافة الى جامع مرجان وجامع الخلفاء. دخول (الشورجة) ليس كما الخروج ،فالبغداديون يقصدون هذه السوق للتبضع مما يحتاجونه من مُؤنٍ و مواد غذائية ، لكن لرائحة التوابل والبهارات وانتشار محالها على جنبات هذه السوق جعلها قبلة البغداديين و العراقيين و مقصدهم . ولحرفة العطارة فن و مهارة ،لا يتقنها الا من يزاول هذا العمل، فما بالك بالذي ورثها اباً عن جدّ ،محمد الشمري ،صاحب محل عِطارة في سوق الشورجة ،يقول :إن مهنة العطارة توارثناها انا واخوتي اباًعن جدّ ،وهي بحر كبير لا يمكن تعّلمها بسهولة من قبل أي شخص لانها تحتاج الى خبرة متراكمة وابداع..
(واع ) ..هنا نسال عن هدفنا هوفي سوق العطارين ، فمعظمهم هنا يسيرون على المثل الشعبي القائل (ان سرنجاح الطبخه يكمن في الخلطة ) !حيث يقول طه العطار: لايمكن ضمان نجاح الطبخ بدون ان تكون للعطاريات والبهارات بشكل عام دور فيها من حيث النكهة والطعم وحتى الفائدة الصحية منها، والبهارات انواعها كثيرة حسب الاكلات العراقية ،منها بهارات الجدر والبرياني وكاري الطبخ والكركم و شاورما اللحم و الدجاج والبيتزا والكنتاكي والدولمة والقوزي وانواع الاكلات الاخرى ،حيث تعتمد تلك الانواع على خلطات متعددة بنسب معينة ولكل طباخ وطباخة ماهرة خلطة من الاعشاب كـ (الكزبرة و الكمون و حبة الحلوة والدارسين والقرنفل والزنجبيل والجوزبوه والزعفران ،والبستج والجفت ) والبهارات الاخرى .
واضاف : ان لكل عطار سرٌ في مهنته ،فهناك محلات لا يجد فيها الزبائن ما يريدون من نكهة ، لان خلطاتهم ليس فيها خبرة ، بينما هنا فان اغلب زبائننا يقصدوننا منذ سنوات ،لان البهارات و والتوابل تحقق مرادهم و طلبهم كما يوجد في البهارات الاصلي والعادي .ويبقى المطبخ البغدادي مميز برائحة توابله (الشرقية) و الفضل يعود الى الشورجة ودكاكينها العتيقة التي ترفد موائده بما لذَّ و طاب من مطيبات الطعام. ولا تستعمل البهارات والتوابل كمطيبات للأكلات المختلفة، فقط وانما هي ايضا لها فوائد صحية كثيرة ،يضاف اليها مهارة الطبخ والطباخين ..
نسال احدى المتبضعات من سوق العطارين ام سجى فتقول لـ ( واع ) : البهاارت هي الوحيدة التي تعطي مذاقا جميلا للاكلة مهما اختلفت موادها وعناصر الطبخ فيها ،فالكمون وحبة الحلوة مفيدتان جدا للقولون و التخلص من الغازات كما تستخدمان كمُنحف من السمنة وازدياد الوزن ،والقرنفل يستخدم مهدئاً لإلام الاسنان وعلاج الربو ،والجوز بوه والجفت فإنها يستعملان مقويان للشعر،والدارسين و البستج يستخدم لعلاج السكر، كما ان الكركم يستخدم حاليا لعلاج المفاصل ، كل ماذكرناه في كفة وفوائدها في الطبخ ، كفة اخرى اكثر تاثيرا بالطعام البغدادي ومكونات وعناصرالطبخ فيه .
اما المواطن حميد رشيد فانه ياتي من بعقوبة كل اسبوع ليتبضع من البهارات بالدرجة الاولى لان اكثر المشترين عنده ياخذون البهاراات للطبخ سواء البيوت او المطاعم وغيرها من الحاجات الخاصة بطب الاعشاب ،ويؤكد لـ ( واع ): انا اخصص يوما واحدا كل اسبوع للنزول الى بغداد للتسوق من الشورجة ، وخاصة الشورجة سوق العطارين ،وهناك قائمة اسبوعية لمتطلبات السوق والمشترين وايضا زوجتي وحاجتها لقائمة من البهارات التي تحتاجها للأكلات على مدى ايام الاسبوع ،حيث لا تخلو أي وجبة لنا في البيت باستثناء الفطور من وجود التوابل و البهارات فيها ، فهي تمنح طعم و نكهة اخرى للأكل تفتح الشهية و الذائقة و تجعلها اكثرصحية ، توابل و بهارات متنوعة من مصادرة مختلفة تصبُ في هذه السوق القديمة التي فيها عبق العطارة الهندية ممتزجا بتلك العربية، في حين يبقى الزعفران سيد البهارات في السوق.
اما الحجية سعودة فتقول عن اهمية البهارات في الطبخ ومصادرها لـ ( واع ) : : كثيرا من زبائني يرغبون باكل البهارات للطبخ لان فيه نكهة للطعام وسرها في نوع التوابل التي تستخدمها في الطبخ ,وهناك لدي متبضعه تتسوق من محلي منذ 15عاما ولا زالت تشتري مني البهارات حتى اليوم ،ولايفوتني ان اقول ان ربة البيت يمكن ان تستغني عن اي مادة عطارية في المنزل ولايخلو بيتها من البهارات والعطاريات التي تدخل في اعطاء نكهة طيبة وقوية وشهية لموائد الطعام وخاصة في شهررمضان المبارك حيث يكون الاقبال شديدا على طلب البهارات المختلفة ومنها بهارات الجدر والدولمة والبرياني وكذلك بهارات السمك والتبسي والكبة والمحشي وغيرها من نكهات وبهارات الطعام، وهناك بعض ربات البيوت حريصات على توفير ماتحتاجه من فترة قريبة حيث تشتري حاجاتها من تلك البهارات قبل فترة قصيرة من قدوم شهر رمضان المبارك والبعض الآخر ينتظر حتى اليوم الاول ويحصل على حاجاته منها..
العطار احمد يقول لـ ( واع ) : لقد تعلمت هذه المهنة من والدي رحمه الله الذي كان يعمل حمالا بعربة يجرها على ظهره! ليؤكد: ان والدي تعب من مهنة الحمالة ، ففتح محلا صغيرا هنا في الشورجة ومنذ صغري اعمل معه في بهارات الطعام وتعلمت الصنعة منه ،ومضى على عملي في هذا المجال اكثرمن 20 عاما لحد الان ،وكما هو معروف فان البهارات لها طرق وخبرات مكتسبة ومهارة في اعادة تصنيعها اذا جاز التعبير من خلال نسب الخلط من مادة الى اخرى،ومن الاعشاب الخضراء او اوراق ونعمل على طحنها وتجهيزها للزبائن ،وهناك خلطات خاصة نحن نجهزها للمطاعم ايضا وتتميز بهارتنا بالاصلية ومن مناشئ معروفة والعالم كله يستورد منها وهي ( الهند وفيتنام وتركيا ) واسعارنا مناسبة جدا بالقياس الى السوق حيث اننا نبيع يوميا اكثر من طن او طنين من البهارات ولمختلف المصادر سواء البيوت والمطاعم ..