واع / كيف يواجه العراقيون أزمة الغلاء في أكثر الشهور واستهلاكاً للطعام؟

واع / بغداد / ابراهيم فؤاد

يُعرف شهر رمضان المبارك في العراق بأنه “شهر الصوم”، وينقطع خلاله المسلمون الصائمون عن تناول الطعام والشراب من مطلع الفجر وحتى غروب الشمس، وبالرغم من هذا الصوم الذي يستمر لنحو 14 ساعة، يستغرق معظم ساعات اليوم، إلا أن “شهر الصوم” يعد أكثر شهور السنة استهلاكاً للمواد الغذائية، حيث يتضاعف الاستهلاك مرتين، فبعد يوم طويل من الامتناع عن المأكل والمشرب، جرت العادة على إعداد مائدة عامرة بأصناف الأطعمة، والحلويات، والمشروبات.
 
وحسب دراسات حديثة تابعه لمختصون في الابحاث والتخطيط العراقي فإن استهلاك هذا الشهر، يوازي استهلاك شهرين، وتقدر تكلفة الاستهلاك بنحو 5 ترليون دينار عراقي (ما يناهز 4 مليارات دولار أميركي).
 
يفرض هذا النمط الاستهلاكي أعباءً مالية إضافية على الشعب وخصوصاً بعد الارتفاع غير المسبوق في الأسعار الذي شهدته الاسواق المحليه أخيراً، بعدما قفز سعر صرف الدولار في 11 كانون الثاني (يناير) الماضي، من قرابة 1.25للدينار إلى نحو 1500 مقابل الدولار الواحد وفق أسعار الصرف في وقت كتابة هذه السطور.
 
موجة الغلاء الجديدة التي لا تزال توابعها تتفاعل في الأسواق، أثرت بنسبة كبيرة على قطاعات واسعة من شريحه المجتمع ما دفعهم إلى السعي لإيجاد حلول لتجاوز الأزمة على مستوى الفرد، والأسرة، وكذلك في نطاق المجتمع الذي لا يزال يعيش قرابة 50 بالمئة من سكانه (20مليون نسمة) تحت خط الفقر، على الرغم من تراجع معدلاته بنحو 3 في المئة، خلال السنوات القليلة الماضية وفق إحصاءات 2021-2022

خفض المفردات الغذائية
واع : السيدة ابتسام شاكر وهي ربة منزل، إنها لا ترغب في حرمان أطفالها من الأكلات التي يحبونها، وهي أكلات في معظمها بسيطة، لذا لجأت إلى خفض الكميات في بعض الأصناف لتحدث توازناً في النفقات.
 
وتضيف شاكر في حديثها لـ”المؤسسه الاعلام العراقي (واع)
يحب أطفالي وجبات مثل المعكرونه والارز والهمبرغر، وكنت في السابق أشتري كميات أكبر، لكنني مع ارتفاع موجة الغلاء، بدأت في خفض كمية البقوليات واللحوم وبت ابحث عن العروض المخفضه لأوفر في السعر والمصروف؛
 
وتشير السيدة شاكر أنها تسعى جاهدة إلى ألا تغيب أي من الأصناف المحببة لأطفالها من المائدة، خصوصاً في شهر رمضان، ولكنها تضطر إلى تقديم كميات أقل لهم، وتحاول تعويض نقص الكميات، بأصناف تكلفتها أقل، وكمياتها أكثر وفرة، مثل المعكرونة والأرز ؛ في حقيقه الامر خلال الأعوام الستة الماضية، تخلينا عن الكثير من السلع التي كانت تعد جزءاً من حياتنا اليومية، فقد بتنا ننظر إليها الآن على أنها سلع ترفيهية، ونحن مضطرون للتخلي عنها”وباتت أصناف عدة ومنها اللحوم والاسماك والدجاج في رمضان درباً من الرفاهية بالنسبة للبعض
 وتضيف السيده عبير لمؤسسه الاعلم العراقي (واع) ان الأصناف التي كانت متوافرة طوال الوقت في البيت، أصبحت تأتي مرة واحدة في الشهر، وأحياناً لا تأتي أصلاً، أو استبدلتها بمنتجات أقل سعراً و التخلي عن بعض الأصناف لم يكن كافياً حتى تنضبط ميزانية المصروف المادي وخصوصاً مع حلول شهر رمضان.

   تقليل شراء للاغذيةالغير ضرورية
عبير خالد امرأة موظفه تعمل في القطاع الحومي ما زالت تعتبر أسرتها من الطبقة المتوسطة، كان الحل بالنسبة لها مختلفاً بعض الشيء، فقد لجأت إلى التخلي عن بعض الأصناف التي اعتادت على شرائها، فيما سعت إلى استبدال أصناف أخرى بمنتجات أقل سعراً ؛ وعن هذا تقول: “لم نعد نطلب طعاماً جاهزاً، وتوقفنا عن الاستمتاع بتناول الوجبات في المطاعم، بات هذا حدثاً نادراً، أصبحنا نوفر تلك النفقات للعزومات، كي نستطيع استقبال أهلنا في منزلنا، كما اعتدنا خلال هذا الشهر الروحاني الجميل”

هل هناك توجه حكومي للحد ارتفاع الاسعار؟
ومن جانب اخر اعلنت الشركة العامة لتجارة الحبوب في وزارة التجارة عن مواصلة مواقعها تجهيز المطاحن العاملة في انتاج الطحين بالحصص المقررة من كميات الحبوب ، واستلام كميات الحنطة المحلية والمستوردة فضلاً عن بيعها لكميات من الحنطة العلفية.
وأكد ذلك مدير عام الشركة الدكتور حيدر الكرعاوي، وأضاف أن الملاكات الفنية والادارية العاملة بمواقع الشركة في سايلو خان ضاري والدورة والتاجي والرصافة عملها بتجهيز المطاحن الحكومية والاهلية من حصصها المقررة من الحنطة؛ وتعمل الوزاره التجارة على تخفيف وطأة ارتفاع الأسعار، من خلال توفير العديد من السلع الأساسية بأسعار مخفضة عبرفتح منافذ تسويقه تابعة ((للشركة العامه لتجاره المواد الغذائيه )) تنتشر في أنحاء المحافظات داخل المناطق السكنيه.
 
خيراتوتكاتفالمجتمع
بجانب الجهود التي تبذلها الحكومة للتخفيف من ثقل الأعباء المعيشية على مواطنيها، فإن المجتمع لم يقف متفرجاً، أو متذمراً من ضغوط ارتفاع الأسعار، خصوصاً مع تأثيرها السلبي على حياة الفئات الأشد فقراً، لكن سرعان ما ظهرت مبادرات مجتمعية خيرية، لتوفير المواد الغذائية الأساسية، في صورتها الخام، أو كوجبات مجهزة.

واع / غدير عبد الهادي الناشطه الاجتماعية تقول لمؤسسه الاعلام العراقي (واع) أن المساهمات الخيرية التي نجمعها في شهر رمضان، كنت اتوقع سوف تنخفض بقدر كبير هذا العام، مع تزايد الأعباء المعيشية على المواطنين، لكنني دهشت من ردة فعل المواطن العراقي على هذه الأزمة التي نمر بها جميعا حيث زادت المساهمات بدرجة لم أتوقعها، ولم يكتفِ الناس بفعل الخير فحسب، بل ارتقوا إلى درجة الإحسان، فبعضهم كان يقول لي هل يمكن أن ندفع المزيد من الأموال لتضعوا مزيداً من اللحوم في الوجبات؟”.
 
مضيفه عبد الهادي ان هناك العديد من المؤسسات والمساهمين في المبادرة الخيرية التي تعمل منذ سنوات عدة، تحدثت متأثرة بما شهدته في ذروة الأزمة مع مجيء رمضان هذا العام، وبلوغ الأسعار مستويات غير مسبوقة، وتقول: “لقد تعلمت في شهر رمضان هذا، أن المواطنين العراقيين يخافون على بعضهم البعض، ولديهم حرص شديد على غيرهم، أن الأمر لم يتوقف عند تقديم التبرعات لتوفير وجبات الإفطار، لقد ساهم بعض الناس في شراء ثياب العيد أيضاً”.
 
وبجانب تلك المبادرات ظهرت مبادرات عدة، بعضها يعمل بالطريقة نفسها، وبعضها الآخر ركز على تقديم أنواع معينة من المواد الغذائية، ومنها اللحوم الطازجة، هذا بجانب العشرات من “موائد الرحمن” التي تقدم الطعام المجاني للمارة، والتي تنتشر في مدن في الازقه والاحياء السكنيه الشعبية والقرى المختلفة، كما حرص بعض التجار على بيع البضائع القديمة التي لديهم بأسعارها قبل الزيادة، تخفيفاً عن أكبر عدد ممكن من المواطنين.