واع / الجفاف يلتهم مهد الحضارات والعمل البيئي يأتي بثمن

واع / بغداد

بعد 10 أعوام قضاها في المملكة المتحدة عند فراره بسبب الحرب الأهلية في إقليم كردستان، عاد نبيل موسى إلى موطنه العراق ليبقى بالقرب من عائلته، لكن عند وصوله إلى مدينته  السليمانية، وجدها مختلفة تماما عن تلك التي تركها قبل الغربة.

وبحسب تقرير لمجلة “فورين بوليسي”، فقد اختفت الطيور وأشجار الصفصاف، ولم يعد نهر سرجنار يتدفق في الصيف، مما جعل موسى يشعر بالخسارة العميقة.

ودفعه هذا الشعور إلى أن يصبح ناشطا بيئيا يعمل مع منظمات عالمية مهتمة بالحفاظ على البيئة.

وقال موسى: “كان من المفجع أن أراها بهذا الشكل، لم يكن هذا هو النهر الذي تركته، وكل أحلامي تبخرت”.

وباتت الأنهار التي تغذي حوض بلاد ما بين النهرين مدمرة بشدة من قبل تركيا وإيران وسوريا والعراق، حيث تعاني المجتمعات الواقعة في المصب من انخفاض كبير في تدفق المياه.

ويؤدي إغلاق المجاري المائية أيضا إلى تغيير بيئتها وتغيير درجة الحرارة والتركيبة الكيميائية وتدمير موائل الأسماك والحياة البرية الأخرى التي تحتاج إلى الأنهار من أجل العيش.

ويدق النشطاء من جميع أنحاء المنطقة ناقوس الخطر بشأن الأضرار المتراكمة لتغير المناخ والجفاف والتلوث الذي يلحق بالبيئة والسكان المحليين في العراق التي تعتبر مهد الحضارات.

وتقول مجلة “فورين بوليسي” في تقريرها، إن التغيير في جزء واحد من مستجمعات المياه يؤثر حتما على جميع الأجزاء الأخرى، إذ إن ما تختاره مجتمعات المنبع أو تفشل في القيام به، يمكن أن يعني أن أولئك الذين يعيشون في المصب ينتهي بهم الأمر إلى تحمل التكلفة.

وقال سلمان خير الله، وهو ناشط عراقي في مجال البيئة وحقوق الإنسان يتعاون كثيرا في العمل مع موسى: “نتحدث عن البيئة من منظور سياسي واقتصادي واجتماعي”.

ويعد خير الله المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي لمجموعة “حماة دجلة” للدفاع عن المياه، والتي تحصل على تمويلها إلى حد كبير من قبل مؤسسات أجنبية.

وأضاف الناشط العراقي: “عندما نتحدث عن المياه والبيئة، فإننا نربط هذه الموضوعات بفرص العمل ومكافحة الإرهاب والبنية التحتية. نحن نربطها بما يريده الناس”.

ويشعر سكان العراق البالغ عددهم 42 مليون نسمة بتداعيات التغير المناخي، من جفاف وعواصف رملية، في بلد هو من بين الدول الخمس الأكثر تأثرا بالتغير المناخي، وفق الأمم المتحدة.

عمل أكثر صعوبة

وكانت البلاد تمر بحالة جفاف طويلة منذ عام 2020 وانخفضت تدفقات المياه في نهري دجلة والفرات بنسبة تتراوح بين 30 و40 بالمئة، فيما باتت نصف الأراضي الزراعية معرضة لخطر التصحر.

ويكون المناخ في العراق صيفا، شديد الحرارة والجفاف، مما يجعل من مسألة هطول الأمطار والثلوج في الشتاء أمرا بالغ الأهمية لإمدادات المياه لملايين الأشخاص.

وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022، كان 98 بالمئة من الأسر العراقية تعيش في مناطق تعاني من نقص في هطول الأمطار.

ومن المتوقع أن تزداد الفجوة بين العرض والطلب على المياه في العراق من حوالي 5 مليارات إلى 11 مليار متر مكعب بحلول عام 2035 إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على المياه وزيادة التدفقات من إيران وتركيا، وفقا للبنك الدولي.

ومع انخفاض المياه العذبة، تتغلغل المياه المالحة من الخليج في المناطق الداخلية إلى أعلى مجرى شط العرب المائي، مما يؤدي إلى تدمير الأراضي الزراعية في جنوب العراق.

وتتناقص الأهوار الجنوبية، التي تضررت بالفعل عندما تم تجفيف أجزاء كبيرة منها بأوامر من الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، كل عام.

وعلى الروافد العليا من نهري دجلة والفرات، تعمل تركيا على بناء سلسلة من 22 سدا كجزء من مشروع جنوب شرق الأناضول.

وفي عام 2018، افتتحت سد إليسو الضخم، مما أدى إلى إغراق مدينة حصن كيفا الأثرية المهمة في تركيا والحد بشكل كبير من تدفق المياه نحو المصب بالعراق.

تمتلك إيران أيضا مشاريع واسعة النطاق لبناء السدود وإعادة تخصيص المياه، مثل سد داريان على نهر سيروان الأعلى ونفق بادين أباد، الذي ينقل المياه من مستجمعات المياه في دجلة نحو المقاطعات الداخلية لإيران لري مزارعها الصناعية.

في محاولة يائسة للحفاظ على الموارد المائية في مواجهة انخفاض التدفقات من جيران المنبع، أطلقت حكومة إقليم كردستان برنامجها الخاص لبناء السدود.

وبالإضافة إلى ذلك، يضيف التلوث مشكلة أخرى للمشاكل البيئية التي تعاني منها العراق. وأصبح نهر تانجارو، الذي يتدفق جنوب مدينة السليمانية، ملوث بمياه الصرف الصحي والمنظفات والزيوت والمعادن الثقيلة من المصانع ومكبات النفايات والمصافي، حيث تتدفق المياه الملوثة في اتجاه مجرى النهر إلى خزان سد دربندخان، الذي يوفر مياه الشرب لنحو 850 ألف شخص.

وبسبب هذه المشاكل، يعد العراق بحاجة ماسة إلى حماية البيئة، لكن عمل النشطاء في البلاد يأتي مع المخاطر.

وبحسب مجلة “فورين بوليسي”، فإن نشطاء البيئة والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان يتعرضون بشكل متزايد للاستهداف بسبب عملهم في جميع أنحاء البلاد. وبسبب هذا الخطر في جعل عمل الناشطين البيئيين مثل موسى وخير الله أكثر صعوبة.