واع / حماماتنا الشعبية البغدادية .. بين الامس واليوم وغدا… !!
واع / ايمان الجنابي
بالرغم من التطور الحاصل في مجمل حياتنا وفي كل مفصل صغير وكبير منها تبقى لحمامات البغدادية القديمة والتراثية الاصيلة عنوان بارز لمن عاشها وعاصرها وشعر بطيبتها ولمس دفئاها ، واليوم نجد انفسنا وحين تحت لتلك الحمامات وطريقة استخدامها في جميع مناطق بغداد وازقتها وساحاتها وخاصة في طراز البناء العربي والتركي حيث انتهى بناء الحمامات فيه بهذا العصر بسبب اختلاف الشكل المألوف لاساليب النظافة الجسدية وبدء عصر جديد مع اوائل القرن العشرين بين المرتبط كليا بالبناء السكني الحديث ثم الاكثر حداثة والأقل ارتباطا مع البيئة والماضي لقد كانت الحمامات تفتح ابوابها مع شروق الشمس حتى السادسة او السابعة مساء بل وتتأخر في الإغلاق أكثر من ذلك في الصيف وكانت العائلات ترتاد الحمام بشكل مستمر والرجال يرتادون الحمام قبل صلاة الفجر ويبقى الحمام مفتوحا للرجال حتى الثانية عشرة ظهرا ثم يستقبل النساء والأولاد حتى المساء ، فاين حل بها الدهر تلك الحمامات في يومنا هذا ؟
يتحدث السيد حميد عن اشهر تلك الحمامات البغدادية لواع :ان حمامات بغداد كثيرة جدا ولكن ومع الاسف الشديد قسم كبير منها اندثر بفعل الزمن والقسم الاخر تم تهديمه وتحويله الى عمارات وابنية تجارية مختلفة ، واذكر من اشهر الحمامات البغدادية هي ( حمام الباشا) و( حمام السراب) وهما في محلة (ساحة الميدان وسط العاصمة بغداد) و( حمام عيفان) و(حمام المالح) ويقع في منطقة ( الفضل ) و( حمام كجو) و( حمام بنجة علي) و( حمام الكمرك ) في محلة ( باب الاغا) و(حمام القاضي ) و( حمام حيدر ) الذي يضرب به المثل ويقع في شارع المستنصر قرب محلة ( رأس القرية) وينسب الى حيدر الجلبي من أغنياء بغداد وهو أحد بقايا عشرة آلاف حمام في بغداد وحدها.
من جانبه تحدث الحاج ابراهيم لواع: ارتبطت حمامات بغداد بشخصيات معروفة انذاك ومنها ( الراوي أو الحكواتي والملا وبائع الشاي،والدارسين والنومي والزبيب وطقوس الزواج ومناسبات أهل المحلة الشعبية).. لكن الحمامات التي تنتشر على ضفاف دجلة والتي شيدت جميعها على الطراز العباسي القديم، بدأت بالاندثار ولم يبق منها سوى القليل.. كما ان تلك الحمامات تتوسطها صخرة كبيرة أو كتلة اسمنتية توقد تحتها النار، وتجري المياه من حولها لتتحول إلى بخار حار يجلس حوله الزبائن. ويجوب الـ ( مدلكجية) رجال ضخام بعضلاتهم المفتولة المكان لتدليك من يرغب مقابل مبلغ مالي بسيط يعرف محلياً بالإكرامية ، و لكن ومع الاسف الشديد فان الحمامات مثل غيرها من معالم بغداد ذات الطابع العربي،التراثي والفولكلوري بدأت بالتلاشي تدريجياً، ومن أصل 67 حماماً في بغداد، لم يبق سوى تسعة منها فقط. بعضها سعى إلى مواكبة التطور، فخسر المكان سحره، وتقاليده بعد استخدامه وسائل حديثة فيه.
وللنساء حماماتهم وتاريخهم وخصوصياتهم ايضا ..!!
وعن حمامات النساء الشعبية ايضا فلها تاريخ واسماء معروفة ، وان معظم حمامات بغداد لابد ان يكون لها فرع او بناء حمام للنساء ،وفي الكاظمية هناك ( حمام الملوك) ذو الطراز التراثي الجميل، بقي محافظا عليه من زحف الابنية الحديثة، هذا الحمام الذي كتب على مدخله شيد عام 1900م اي منذ مائة وسبع من السنين، وبجانبه حمام (الملوك للنساء) والمتعارف على اغلب الحمامات ان يكون هناك حمام للنساء وآخر للرجال في ذات المحلة وغالبا ما يحملون اسما واحدا ويداران من قبل عائلة واحدة! حيث تقول السيدة صاحبة الحمام لـواع : ان المناطق القديمة الشعبية تحتفظ بطابع الابنية التراثية فيها ، كما ان معظمها تحافظ على حماماتها من الاندثارعلى الرغم من انخفاض عدد زبائننا استمر عملنا بنفس الاسلوب والطقوس في الحمامات الشعبية لجذب الزبونات حيث نستخدم مادة (الخل) الطبيعي في عملية التدليك ولمعالجة آلام المفاصل مع التعرض لـ (البخار) والتعرق. واعادة عملية التدليك وهو علاج قديم ونتائجه ايجابية ، ولقد كان هذا الحمام في عصره الذهبي قبل سنوات حيث الحركة تملأه ولا يكاد يكون هناك موطئ قدم من كثرة الزبائن..
اما المدلكجية ام حيدر فتقول لواع : تقاليد هذا الحمام وغيره من حمامات النساء الشعبية شهد اقامة الافراح واجملها واحلاها ، ومن هذا الحمام صدحت (الهلاهل) والاغنيات عندما كانت تتم تهيئة (العروس) وكيف تمر بمراحل لتكون في ابهى صورة وفي النهاية تخرج عروسا حقا..كما ان هذا المكان تمت المصاهرة والخطوبة لكثير من الفتيات ومنه خرجت القصص والحكايات الجميلة
وعند حمام الفضل للنساء والرجال تحدث لنا الحاج ستار لواع : كانت الناس على طبيعتها وبساطتها تعشق كل شئ جديد حيث تعتبر (حمامات السوك ) ! في بغداد جزء من الحياة الطيبة التي تؤمن بالمعتقدات والعادات والحكايات ،وممارسة طقوسها بكل بساطة ، مع ان البيوت البغدادية كانت فيها حمامات داخلية ،الا ان الناس تقضل الذهاب الى حمامات السوق، وهي عادة تكون كبيرة وواسعه ،وتتكون اغلبها من ثلاثة اقسام الاول (المنتزع ) او (حوش الحمام ) وهو بداية مدخل الحمام حيث يجلس الزبون على (لوح) مرتفع في مدخله وحوله ما يشبه الرفوف فيها المناشف والصابون ومستلزمات الحمام الاخرى. وتحيط بالمكان دكة مفروشة بالحصير والبسط يجلس عليها الزبائن ويضع كل واحد منهم ( بقجة ) وتعتبر حقيبة بسيطة يضع فيها الزبون اغراضه وملابسه والليفة والصابونة .
ويضيف الحجي : كما ان القسم الثاني من الحمام ( قسم التعرق) وهي قاعة ثانية بدرجة حرارة مناسبة في وسطها ( دكة ـ دجة)! يتمدد فيها الشخص كي يتعرق جيدا، واذا اراد الزبون( مدلكجي) وهو فهو موجود حتما،اما القسم الثالث قاعة ( الغسل او الاغتسال) وهي قلب الحمام الساخن حيث يتصاعد البخار الحار جدا وحولها احواض الغسل, ويغسل كل شخص حسب راحته والوقت الذي يستغرقه في التنظيف ، واود ان اقول بان البغداديين لديهم ذكريات جميلة من الحمامات التي مايزال البعض منها يعمل ويترددون عليه ، ولان الحمام البغدادي كان ملتقى اجتماعيا يجمع ابناء المحلات المتقاربة ويتميز بفوائد عديدة لاتقتصر على الاغتسال والنظافة ، انما كان منتجعا للترفيه والطبابة والتعارف والاسترخاء وحتى الغناء ،كما كانت لها طقوسها وعادات واجواء زاخرة بالطرافة والراحة والاطمئنان.
اما السيد يحي من اهالي الكاظمية فيقول لـواع : لقد كانت بعض حمامات السوك انذاك تنفرد بخاصيتها للمستحمين ! حيث لايتردد عليها غيرهم ! كما ان هناك حمامات لاتتسع لاكثر من 5 اشخاص، وعادة ماتكون داخل البيوت السكنية وليس اطرافها ،واذكرأشهرها من الحمامات التي مازالت شاخصة في بغداد هي ( حمام الجوادين) والذي يقع الكاظمية وتم بنائه مطلع الستينيات من القرن الماضي ويحتوي على (30 غرفة ) مجهزة بماء ساخن وبارد ويعمل فيه تسعة عمال ولم يستغن الناس عنه حتى وان وجدت حمامات المنازل اليوم…

