واع / تشدد في العناوين مع غياب المشاريع/ اراء حرة / د. حسين الاسدي

تتداول الاوساط السياسية والإعلامية العراقية بعد ازمة الانتخابات الأخيرة مصطلحات وأفكار قد أدت الى ضبابية على مستوى المشاريع مما زاد المشهد العام تعقيداً واصبح الموقف مرتبكاً ، حتى يحلو للبعض ان يسميه انسداداً على الرغم من انه لا يوجد انسداد حقيقي مطلقاً وفقاً للدستور العراقي النافذ وانما هو اختلاف وجهات النظر حسب زاوية الرؤية لكل طرف ، وللوصول الى تحليل يُبَدِّدَ اَلْأَزْمَةَ وَيُعْطِي ضَوْءًا لِلْفُرَقَاءِ فاننا نحاول تَفْكِيكَ مَا يُتَدَاوَلُ عَلَى أَمَلِ أَنْ نَصِلَ إِلَى حُلُولٍ وَاقِعِيَّةٍ نَضَعُهَا بَيَّنَ يَدِي اَلْمَعْنِيِّينَ أَخِيرًا ، وليكن معلوماً انه ليس المهم المصطلح بذاته وَإِنَّمَا اَلْأَهْدَافَ اَلَّتِي تَقِفُ خَلْفَهُ فَهَلْ أَنَّ مَا يَجْرِي يَصُبُّ فِي مَصْلَحَةِ اَلْعَمَلِيَّةِ اَلسِّيَاسِيَّةِ وَيُزَوِّدُ اَلْمُوَاطِنَ بِشِحْنَةٍ مِنْ اَلْأَمَلِ كَيْ تُحَلَّ مَشَاكِلُ اَلْبَلَدِ اَلْكَبِيرَةِ وَالْمُسْتَمِرَّةِ مُنْذُ عُقُودٍ ، فهل نقف على مشاريع ام انها مجرد الفاظ يختبئ خلفها أصحابها ، واحدة من الأسباب الرئيسية لما يلاحظ من تقاذف في الاتهامات واستغلال للجمهور استخدام المصطلحات السياسية في غير محلها ( أَغْلَبِيَّةٌ وَطَنِيَّةٌ ) ( أَغْلَبِيَّةٌ سِيَاسِيَّةٌ ) ( حُكُومَةٌ تَوَافُقِيَّةٌ ) فماذا يراد بها في مصطاحات العلوم السياسية ، الحكومة الائتلافية (Coalition Government) هي شكل من أشكال الحكومة تتعاون فيها الأحزاب السياسية لتشكيل الحكومة. والسبب المعتاد لمثل هذا الترتيب هو أنه لم يحصل أي حزب بمفرده على أغلبية مطلقة بعد الانتخابات تمكنه من تشكيل الحكومة فيلجأ الى الشركاء. ويمكن أيضًا إنشاء حكومة ائتلافية في زمن الصعوبات أو الأزمات الوطنية (أثناء الحرب أو الأزمة الاقتصادية …الخ) لمنح الحكومة الدرجة العالية من الشرعية السياسية أو الهوية الجماعية ، لِيُمْكِنَهَا أَيْضًا أَنْ تَلْعَبَ دَوْرًا فِي تَقْلِيصِ اَلْمَشَاكِلِ فِي مِثْلٍ هَذِهِ اَلْأَوْقَاتِ ، وقد شكلت الأحزاب فيها تحالفات ( حُكُومَةُ وَحْدَةٍ وَطَنِيَّةٍ ) National Unity Government)) ومن البلدان التي تعمل غالبًا مع حكومات ائتلافية دول الشمال (Nordic Countries) ، ودول البنلوكس (Benelux Countries) ، وأستراليا ، والنمسا ، والبرازيل ، وقبرص ، وفرنسا ، وألمانيا ، واليونان ، والهند ، وإندونيسيا ، وأيرلندا ، وإيطاليا ، واليابان ، ونيوزيلندا ، وإسبانيا ، وَقَدْ حَكَمَ سِوِيسْرَا تَحَالُفٌ مِنْ أَقْوَى أَرْبَعَةِ أَحْزَابٍ فِي اَلْبَرْلَمَانِ بين عامي (1959- 2008) ، أطلق عليه اسم (اَلصِّيغَةُ اَلسِّحْرِيَّةِ).( Magic Formula) وبين عامي (2010-2015) ، أدار المملكة المتحدة أيضًا ائتلاف رسمي بين حزب المحافظين والديمقراطيين الليبراليين ، لكن هذا لم يكن معتاداً فالمملكة المتحدة عادة ما يكون لديها حكومة أغلبية من حزب واحد ، ولا يوجد مصطلح لحكومة توافقية فكل حكومة كانت ائتلافية فهي بالتاكيد تكون حكومة توافقية والاّ كَيْفَ يُمْكِنُنَا تَصَوُّرُ تَشَكُّلِهَا بِلَا تَوَافُقِ بَيْنَ أَحْزَابِهَا اَلْمُؤْتَلِفَةِ؟ ، ويقابل الحكومة الائتلافية (حُكُومَةُ اَلْحِزْبِ اَلْوَاحِدِ) (One-Party Government) وتتشكل بنحوين حكومة اغلبية وحكومة اقلية.، فحكومة الأغلبية (Majority Government) يُكَوِنُ واحد من الأحزاب أغلبية مطلقة من المقاعد في الهيئة التشريعية مما يُمَكّنُها من تشكيل الحكومة دون الحاجة الى حزب آخر ، فلا وجود لحكومة (اغلبية وطنية) او (اغلبية سياسية) لان حكومة الأغلبية سياسية دائماً حيث هي حزب واحد او ائتلاف أحزاب تتفق على رؤية سياسية واحدة للدخول في الانتخابات وتحقق الأغلبية في المجلس التشريعي ، وهذا على عكس حكومة الأقلية (Minority Government) حيث يتم تشكيلها في نظام برلماني عندما لا يتمتع حزب سياسي أو ائتلاف من الأحزاب بأغلبية المقاعد الإجمالية في المجلس التشريعي بعد الانتخابات وهذا يتم حينما يكون حق تشكيل الحكومة للحزب الفائز الاول في الانتخابات بغض النظر عن حصوله على الأغلبية كما هو الحال في كندا وهذه الصيغة تجعل الحكومة ضعيفة كما وتواجه صعوبة في تمرير التشريعات لعدم امتلاكها الأغلبية داخل المجلس التشريعي ، فكل الحكومات في العراق بعد 2005 حكومات ائتلافية فلم يتمكن حزب من الأحزاب من الحصول على الأغلبية داخل مجلس النواب بما فيها الانتخابات الأخيرة فسواءٌ كانت الحكومة القادمة تتشكل من اغلب الكتل السياسية ام انها من بعضها على وجه الخصوص فهي تبقى حكومات ائتلافية لا تختلف عن الحكومات السابقة ، يضاف الى الوضع العراقي امر اخر وهو ان الدستور العراقي مبني على أساس أوسع من الأغلبية البسيطة كما في سائر الامم غالباً وانما في (12) مادة دستورية اِشْتَرَطَ اَلْمُشَرِّعُ أَغْلَبِيَّةَ اَلثُّلْثَيْنِ وهو ما لا يتحقق بالعادة لأي حزب سياسي لا في العراق المنقسم على نفسه ولا حتى في الدول العريقة في تكوين الأحزاب والديمقراطيات ولذا فمسألة الحكومات الائتلافية أصبحت امراً واقعاً بغض النظر عن تفسيرات المحكمة الاتحادية العليا التي جعلت تشكيل الحكومة ليس من شأن الحزب الفائز الاول في الانتخابات وانما من شأن الأحزاب المؤتلفة في البرلمان والتي تشكل الكتلة الأكثر عدداً ، واضيف الى ذلك اِشْتِرَاطُ اَلثُّلْثَيْنِ فِي اِنْتِخَابِ رَئِيسِ اَلْجُمْهُورِيَّةِ اَلْبَوَّابَةُ لِتَكْلِيفِ رَئِيسِ مَجْلِسِ اَلْوُزَرَاءِ فاصبحنا امام واقع الحكومة الائتلافية لا محالة لكنه لا يبدو ان المشكلة في الحكومات الائتلافية حيث وجدنا ان اغلب الدول المتطورة والمتقدمة والعريقة في الديمقراطيات هي حكومات ائتلافية فسويسرا مثلاً خمسون سنة تقودها حكومة مؤتلفة من أحزاب ولم تكن حكومتها حكومة اغلبية ، فواضح ان المشكلة ليست في طبيعة الحكومة اغلبية او اقلية كما في كندا او ائتلافية كما هو في اغلب الدول البرلمانية وانما تكمن المشكلة في مكان اخر وهو ما لابد من تسليط الضوء عليه ، ان مقومات العمل الناجح الذي يعطي نتائج مخطط لها يعتمد على امرين أساسيين برامج مدروسة معلومة النتائج تستحضر سائر الاشتراطات للوصول الى اهداف محددة وَفِرَقُ عَمَلٍ تُنَفِّذُ مَا خُطَّطَ لها بِمُوَاصَفَاتٍ وَمُؤَهَّلَاتٍ تَسْتَجْمِعُ عَنَاصِرَ اَلْمَعْرِفَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْجِدِّيَّةِ وَالنَّزَاهَةِ مع التصميم على تحقيق الأهداف اذن فالذين نجحوا قبلنا لم تكن مشكلتهم بشكل الحكومات لكن الواقع يحدثنا انهم نجحوا من خلال خطط واقعية وقيادات مؤهلة فاذا كنا نريد ان نتحدث عن شيء نَجْتَمِعُ حَوْلُهُ أَوْ نَتَفَرَّقَ ، نَتَّفِقُ عَلَيْهِ أَوْ نَخْتَلِفَ فهو في البرنامج الذي يُخَلّصُ العراقَ مما هو فيه اقتصادياً وادارياً وعلمياً وصحياً وامنياً خطة حقيقية لها سقوف زمنية تتحدد فيها الخطوات وتوضع فيها الاولويات وشخوص تبدأ برئيس مجلس الوزراء يتم اختيارهم بعناية ضمن مواصفات لا خلاف عليها وهنا تأتي مرحلة الائتلافات فمن يتفق على الامرين يدخل ضمن الائتلاف ومن لا يتفق يخرج عنه وهكذا نصل الى تشكيل الحكومة القادمة وتنتهي حالة الجمود السياسي وفي حالة انه لم يتم الاتفاق على ما سبق فهنا يأتي دور مجلس النواب في حل نفسه والذهاب الى انتخابات كما هو معمول به في البرلمانات حينما تعجز عن تكوين الائتلاف المشكل للحكومة.
➢ Bergman, Matthew Edward (4 May 2020). “Sorting between and within coalitions: the Italian case (2001–2008)”. Italian Political Science Review / Rivista Italiana di Scienza Politica. 51: 42–66. doi:10.1017/ipo.2020.12. ISSN 0048-8402
➢ “Minority Government”. parliament.uk. UK parliament. Retrieved 25 September 2019.