واع / أزمة المياه بين العراق وجيرانه تزداد خطورة

واع / متابعة

بدا وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني، متفائلاً عند عودته من زيارة لتركيا في تشرين الأول إذ وعدت الأخيرة بزيادة حصة المياه التي ستتدفق إلى العراق.

ومنذ فترة طويلة، يعاني العراق من عجز مائي يقدر بنحو 11 مليار متر مكعب في السنة، وقد يزداد الوضع سوءاً مع زيادة عدد السكان. وأبلغ المزارعون عن تصحر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بسبب الجفاف الشديد وتغير المناخ. وتجاوزت درجات الحرارة 50 درجة مئوية في الصيف، فتضررت المزروعات وباتت المياه الصالحة للشرب والاستحمام غير متوافرة.

وأظهرت الأبحاث التي أجرتها الحكومة العراقية تصحر حوالى 40 في المئة من الأراضي، وملوحة التربة، ما يحولها غير صالحة للزراعة. ويحصل العراق على معظم مياهه من نهري دجلة والفرات، ومصدرهما تركيا، وتشتري باقي الكمية التي تحتاجها من إيران.

وأبرم العراق وتركيا عدداً من الاتفاقات الخاصة بتزويد المياه، وآخرها عام 2009، إلا أنها لم تنفذ بالكامل. وأعلنت تركيا عن التزامها بشروط الاتفاقات، ملقية اللوم على العراق في سوء إدارة المياه.

وأهمل العراق لعقود عملية الري والسباكة المنزلية، وسرق السكان المياه من الأنابيب العامة وحفروا الآبار في أراضيهم.

إلى ذلك، أدى احتلال تنظيم “داعش” لأجزاء من العراق إلى تفاقم مشاكل المياه. وحتى بعد هزيمة التنظيم، أنفق معظم ميزانية الدولة على مشاريع أخرى، واستغل المقاولون المساعدات المخصصة لإعادة بناء العراق.

بعد استقبال حار في تركيا، اتفقت الجهتان حتى على إنشاء معهد أبحاث مشترك لدراسة القضايا المتعلقة بالمياه. ومع ذلك، بقيت كمية المياه التي سيحصل عليها العراق من تركيا غير محددة، في وقت تواصل تركيا تطوير مشروعها الكبير في الأناضول، وتبني 22 سداً و19 محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية، ما يحد من كمية المياه المتدفقة إلى نهري دجلة والفرات إلى العراق وسوريا.

وأثر نقص المياه في العراق إلى حد بعيد على التركيبة السكانية للبلاد. وهجر آلاف العراقيين قراهم وأراضيهم للانتقال إلى ضواحي المدن الكبرى، ومنها بغداد والموصل والبصرة. إلا أن هذه المناطق تفتقد إلى امكانية توفير فرص عمل، وتواجه صعوبة في تزويد السكان الجدد بالخدمات العامة.

في النتيجة، يحاول الكثيرون من السكان الانتقال إلى منطقة الحكم الذاتي الكردية أو الهجرة.

وفي ظل المفاوضات مع تركيا، التي تزود العراق بحوالى 25 مليار متر مكعب من المياه سنوياً من نهر الفرات، تبقى إمدادات المياه من إيران مسألة مختلفة تماماً.

ومن الناحية النظرية، يمكن للأنهار التي لها مصادر في إيران أن توفر حوالى 11 مليار متر مكعب في السنة، إلا أن سلسلة طويلة من السدود حوّلت مجرى التدفق.

وفي تموز أعلن العراق أن إيران قطعت المياه عنه. ولم تكن هذه الخطوة قراراً شريراً يهدف إلى الانتقام من العراقيين، إنما جاء نتيجة أن إيران تعاني جفافاً شديداً.

وهذه السنة، سجلت إيران حوالى نصف كمية الأمطار المعتادة. ولجأت أكثر من 8 آلاف قرية وبلدة إيرانية إلى الصهاريج لتأمين المياه. وأدت المحنة إلى احتجاجات واشتباكات عنيفة، ولا سيما في مقاطعة خوزستان في جنوب غرب البلد.

وقال العراق إن إيران لا تلتزم بالقانون الدولي الخاص بتقسيم المياه بين الدول التي تتغذى من المصادر نفسها، وأعلن أنه يخطط لمقاضاة إيران في محكمة دولية. إلا أن العراق لم يشكل حكومة بعد، واعتماده على إيران سيحول دون اللجوء إلى القضاء.

وأدركت طهران تصاعد المشاعر المعادية تجاهها في العراق، ولا سيما في الجنوب.

تتصاعد أزمة المياه في سوريا أيضاً، حيث يترافق الجفاف مع أسباب سياسية. وفي المناطق الكردية في الشمال، يحصل السكان على المياه من محطات تخضع لسيطرة القوات الكردية السورية.

وتزعم تركيا أن الأكراد يقطعون الكهرباء عن محطة الضخ، في وقت يتهم الأكراد الأخيرة بوقف الضخ لتزيد من صعوبة حياة السكان المحليين.

وفي الحالتين، تبقى النتيجة واحدة، إذ يعاني عشرات الآلاف من الأشخاص في شمال سوريا من الجفاف. وعلى سبيل المثال، يعيش حوالى 400 ألف شخص في مدينة الرقة، حيث انخفض التدفق من 600 متر مكعب في الثانية في السنوات الممطرة إلى أقل من 200 متر مكعب.

وأعلن الخبراء في مجال المياه أن الجفاف ليس السبب الوحيد لنقص المياه في سوريا. وأدت الصيانة الخاطئة، وزيادة استخدام محطات الطاقة للمياه، وسرقة المياه، والافتقار إلى التخطيط الاستراتيجي للبحيرات إلى تفاقم أزمة المياه.

واليوم، يسعى العراق وسوريا إلى التوصل إلى اتفاق مع تركيا لضمان تقسيم عادل للمياه. وعام 1992، تم التوصل إلى تفاهمات، توفر تركيا بموجبها 500 متر مكعب في الثانية، ومنها 42 في المئة لسوريا، و58 في المئة للعراق.

ولم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بسبب الخلافات حول “ملكية” نهر الفرات. وجادلت تركيا أن نهر الفرات تركي، وغير ملزم بالقانون الدولي، مشيرة إلى تزويد سوريا والعراق بالمياه يمثل بادرة حسن نية.

من غير المحتمل أن تغير تركيا مسارها على رغم أزمة المياه.