واع / سيرة وابداع ….. سيرة القاص المبدع عبد الامير المجر…  في الصحافة والادب ..

واع / عدنان العامري

كي نبحر في عالم عبد الامير المجر في الصحافة والادب يتعين علينا ان نبدأ من اهتماماته الاولى ، فكانت روايته التسجيلية ( مستنقع الافاعي) التي اهداها لي عام 2000 وجهده هذا ، اهداه الى ( ارواح الشهداء الذين ضحوا كي لاتتحول ارض العراق الطاهرة الى ساحة صراع بين اعداء الوطن المتكالبين على ثروات العراق العظيم,, والى جيشنا الباسل الذي صان وحدة الوطن المجبول من صبر ومكابرة ،في ظروف بالغة التعقيد محنة عرفها تاريخ العراق الحديث )..

   وعرفت عبد الامير المجر الصحفي والاديب والكاتب ،عن قرب في جريدة الجمهورية قبل روايته ( مستنقع الافاعي ) ،، حيث كان  مصححا لغويا متميزا بين اقرانه ، تجده شعلة متقدة من النشاط والحيوية ، كي لايفلت منه حرفا او كلمة فاتت على هذا الكاتب او ذاك،،،يقرا مسودات ماكتبه المحررون في الصحيفة ، بدقة وعناية يفك طلاسم وشخابيط البعض التي تشبه وصفة الطبيب في قائمة العلاج للصيدلي..

فقد احبه زملائه في الاقسام الصحفية الاخرى لحرصه الكبير واخلاقه الدمثة ووجهه الباسم المتفائل على الدوام ..

كلفته ذات مرة وانا سكرتير تحرير ومشرف على قسم الاخبار، بكتابة عمود في زاوية  (قضايا الساعة)..لثقتي العالية بإمكاناته في هذا المجال، واذا بدقائق معدودات ، يضع المادة امامي مبتسما واثق الخطى من قدرته على الكتابة ..انتشيت من الفرح لمهنيته والرؤية الموضوعية والسرعة فيما كتب ، ونشر في صباح اليوم التالي فتوطدت علاقتي به يوما بعد اخر، والى يومنا هذا ..

  كاتبنا المبدع المجر،، كما يقول : انا انسان بسيط وابن فلاح مسحوق عاش ومات فقيرا ، ورضيت بما رسمته الاقدار لي ، بان ابقى واعيش حياة متواضعة، كوني ولدت اصلا من بيت من القصب في قرية فقيرة في المجر الكبير جنوبي العراق ، وعلى ضفاف الاهوار ليس فيها وقتذاك ، اي شكل من اشكال الترف ..

   يتوخى المجر الدقة والحذر مما يسمعه من الاخرين ، لاسيما في الامور الحساسة ، ولن يردده ..هذا ما تربى عليه من تأثير والده الحكيم القروي الطيب.. حيث قال له قبل عقود كثيرة حيث كان  صغيرا ..( اذا اردت ان تجذب ..احجي ورا اليحجون)..؟!

واليوم ادرك المجر ، كم هي بليغة مقولة ابيه رحمه الله ..

كاتبنا المبدع عبد الامير المجر، يحلق في نشيد المشاحيف ، انه مسحور بالقرية وعالم الهور الجميل بكل موجوداته وحكايات اهله الطيبون ..

فالأهوار عند المجر، هي كلمة توقظ في داخله اطياف الطفولة ، فعالم الاهوار ،، عالم مدهش بكل ماتعنيه الدهشة ..عالم مثقل بالغريب والجميل ..

وقبل اكثر من اربعة وثلاثين عاما ، ترك قريته الجنوبية النائمة على ضفة الهور متوجها الى بغداد ،، لكنه لم يشعر بالسعادة ابدا ولم يصبح ( بغداديا )  طوال تلك الفترة مثل طائر مهاجر يحلم بالعودة الى موطنه الى قريته الى ملاعب صباه وطفولته التي سرقتها المدينة بقساوتها وجبروتها..

ذكريات طفولة عبد الامير المجر ، ودموع ذكرياته ، دموع وفاء وحنين للاهل والتربة التي ارضعته حب الوطن ومعنى المودة والاخلاص والمشاعر النقية..

  من خلال عمله في الصحافة منذ ثلاثة عقود في التصحيح ومن  التحرير ، تسلم خلالها مسؤولية تحرير صفحات ثقافية وسياسية قبل العام 2003 وبعده.. لفت انتباهه شيء وتكرس مع السنين هو ،ان هناك كتابا يكتبون منذ عقود نصوصا ومواد نقدية وكتابات رائ ثقافي ..وباتوا شيوخا وبعضهم رحل عن دنيانا ، لكن كابتهم ظلت باردة ولاتضمر شيئا بين السطور ، او خالية من اية لمحة فكرية عميقة ..

 قرر صاحبنا عبد الامير المجران يدخل الوسط الثقافي ( المقصود هنا الوسط الادبي) مطلع تسعينات القرن الماضي ، بعد ان انهى رحلة مضت من الحروب والانتكاسات في الحياة ، اكلت من عمره عقدا كاملا واكثر.. حيث عقد العزم ان يكون (قاصا). وكانت وجهته ( مقهى حسن عجمي)  الشهير الذي يرتاده الادباء المصادفة وحدها عرفته الى شاب ثلاثيني يسبقه عمرا بأربع او خمس سنين.. وعرفت من خلال الاحاديث الجانبية ، يكتب القصة .. اسمه محمد خضير سلطان (كان اسمه وقت ذاك محمد السلطان ) .. من اهالي الشطرة بمحافظة الناصرية يسكن بغداد ، ولم يعرف عنه الكثير وكان المجر حينها يكتب ما يعتقده قصصا !، وصار يعرضها على سلطان، الذي كان ( حادا وقاسيا) في احكامه ولم يجامله حتى كاد يحبطه،! ولم يعرف الا بعد حين ، ان هذا الرفض المتكرر ،، كان بداية حقيقية لكتابته القصة بشكل رصين !..مع الايام تعززت علاقته مع ( محمد السلطان ) واصبح المجر فيما بعد اسمه ( القاص عبد الامير المجر)!!

انحاز ما بين اهتماماته في الادب الى القصة التي برع بها ، فتمثل قصصه ، قاربا فارها ومغريا لسفر عبر امواج بحرها للوصول الى موانئ الجمال والمتعة والدهشة ، ويتنفس عبد الامير المجر من خلال مسروداته ، حرية التعبير بوعي ، وهذا ديدنه في مجاميعه القصصية .

وطقوس كتابة عبد الامير المجر في القصة ، لها  خصوصية ، فالقصة تبدا من فكرة في ذهنه تتطور ، ثم تاتي لحظة الولادة !  يجد نفسه فيها راغبا بقوة بكتابتها ، وفي الغالب بجلسة واحدة ،ثم يعيد قرائتها وتشذيبها ..

الامكنة عند صاحبنا المجر، تعني الوضوح كما هي بلا رتوش في ناسها وتلقائيتهم ، وجدران بيوتها المتهالكة .. ومقاهيها بشايها ابو الهيل! وناسها الطيبة التي حفرت على وجوههم الازمنة الغابرة وهم على سجيتهم ، وقناعة في عيشهم ورزقهم ونعمهم، من الله عز وجل .. يجوب المجر هذا العالم هنا وهناك في اماكن بغداد الشعبية والاماكن التراثية عله يجد لقطة تقتنصها مخيلته لكتابة القصة او مقالة قريبة من الناس وهمومهم ..

القاص المجر، غزير في كتاباته على اختلاف طبيعتها ، لم تفقد من جماليتها واسلوبها ورصانتها وبريقها ، بل يلحظها المتتبع والمراقب ، بانها تأخذ في مسار خطها البياني ، تصاعدا نحو الافضل والاكثر تاثيرا في القارىء ..

  موهبته الواضحة ، قربته لاجيال من رواد وعمالقة الصحافة والادب والفكر التي رافقوه ورافقهم في الهم والمنجز والابداع..

اجمل اهداء لعبد الامير المجر المؤمن بما كتبه الله تعالى لعباده الصالحين ،، ووفاء الى روح ابنته الرسامة الراحلة ( الملاك الذي خلق الى الاعالي ..صغيرا من دون جناحين حتى توارى تاركا طيفه يسكن في اعماق روحه وقلبه الى الابد ..