واع / “الكهاريز” تتأرجح بين الاندثار وإحيائها سياحياً وتراثيا/ آراء حرة /بقلم :منتصر صباح الحسناوي

منتصر صباح الحسناوي

نظامُ ريٍ قديم اُستخدم ولا يزال في المناطق الجافة وشبه الجافة لتوفير المياه بطريقة مستدامة وصديقة للبيئة.
يُعد الكهريز أحد أقدم الأنظمة المائية التي طورها الإنسان، وهو عبارة عن شبكة من القنوات الجوفية التي تنقل المياه من مصادرها الطبيعية، مثل الينابيع أو طبقات المياه الجوفية أو الأنهار في المناطق الوعرة أو غير المستوية ، إلى مناطق أخرى لتلبية الحاجة من المياه معتمداً على مبدأ الانحدار الطبيعي لتدفق المياه إذ يتّمُ حفر قناة مائلة تحت الأرض تبدأ من مصدر المياه وتستمر بانحدار تدريجي بسيط نحو الأراضي الزراعية أو المناطق السكنية.
ويتُّم تصميم “الكهريز” بعناية لضمان تدفق المياه بشكلٍ مستمر دون الحاجة إلى أي أجهزة ضخٍ أو طاقةٍ خارجية. ولتعزيز كفاءة النظام وضمان صيانته، يتم حفرُ آبارٍ رأسية على طول القناة تُعرف بآبار التهوية، والتي تساعد على تهوية القناة وتسهيل أعمال التنظيف والصيانة.

نشأ “الكهريز” في المناطق ذات المناخ الجاف، حيث يكون الحصول على المياه تحدياً كبيراً، انتشر هذا النظام في العديد من البلدان، مثل إيران حيث يُعرف باسم “القناة”، والعراق حيث يُطلق عليه “كهريز”، وشمال إفريقيا حيث يُعرف بـ”الفقّارة”، وفي عُمان والإمارات حيث يُسمى “الأفلاج”. على الرغم من اختلاف الأسماء، إلا أن الهدف الأساسي “للكهريز” واحد، وهو الحفاظ على المياه وتوزيعها بطريقة فعالة ومستدامة.

تكمن أهمية “الكهريز” في كونه وسيلة فعالة للحفاظ على المياه في المناطق القاحلة، حيث يُقلل من فقدان المياه الناتج عن التبخر لأنه يعمل تحت الأرض كما أنه يُعد نظاماً صديقاً للبيئة نظراً لعدم اعتماده على مصادر طاقة اصطناعية.
بالإضافة إلى ذلك، يُساهم “الكهريز” في الحفاظ على استقرار المجتمعات المحلية التي تعتمد عليه كمصدر رئيسي للمياه.
الكهاريز في العراق تُعد جزءًا مهماً من التراث التاريخي والبيئي، وتنتشر بشكل خاص في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من البلاد، ولا سيما في كركوك التي تعد من ابرز المناطق التي تحتوي على نظام الكهاريز ككهريز حجي بيخان السفلي وهو طي الادرج على لائحة التراث العالمي للري مما يعكس أهميته التاريخية والاقتصادية للمجتمع المحلي، وايضا الكهاريز في المناطق الريفية في اقليم كردستان في محافظاتها الثلاث ايضاً حيث التضاريس الجبلية وما زال بعضها يعمل حتى اليوم.
اما في محافظة ديالى فهناك بقايا أنظمة كهاريز قديمة، خاصة في المناطق القريبة من الحدود الإيرانية هذه الكهاريز كانت تُستخدم للري في البساتين، خصوصاً في وادي حمرين والمناطق المحيطة.

ومع ذلك، فإن هذا النظام شبه مندثر ولم تبقَ منه سوى آثاره المتناثرة ولا سيما في الجانب الشرقي من العراق ، بسبب التغيرات البيئية واندثار التجمعات القديمة والحروب والتي أثرت بمجملها على تلك “الكهاريز” .
هذه التحديات استدعت جهوداً حثيثة لدراسة إمكانية تأهيل “الكهاريز” والحفاظ عليها كإرثٍ تاريخي من جهة وإمكانية استثمارها كعامل جذبٍ سياحي أو تشغيلها من جهة اخرى.
لذا كانت المبادرة من إدارة وكوادر الهيأة العامة للآثار والتراث وإشراف ومتابعة الدكتور احمد فكاك البدراني وزير الثقافة والسياحة والآثار بتحديد مناطق “الكهاريز” في شرق العراق ولا سيّما في محافظة ميسان والتي لاقت ترحيباً وتوجيهاً من دولة رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني بتشكيل لجنةٍ خاصة لدراسة هذه الكهاريز برئاسة الدكتور طورهان المفتي مستشار شؤون المياه.
وعلى الرغم ان هذا النظام المائي استخدم في الحضارات القديمة ومثل وسلية رئيسية لتوفير المياه في القرى والمناطق الزراعية البعيدة عن مصادر المياه السطحية الا انه ليس مجرد تقنية ري قديمة، بل هو شهادة على براعة الإنسان في التكيف مع الظروف البيئية القاسية ورمزية للحكمة والتخطيط المستدام الذي كان يُمارس منذ آلاف السنين، مما يجعله إرثاً حضارياً يستحق الحماية والاهتمام كجزء من التراث الإنساني والهندسي.
لذا كان هذا التوجه لإعادة تأهيلها والحفاظ عليها كجزءٍ من التراث الوطني،الذي يُمكن استثماره كوجهات سياحية تُبرز العمق التاريخي للعراق.