واع /اليمن… مهد الحضارة وقلعة الإرادة/اراء حرة / عتاب بغدادي
حين نعود بالتاريخ إلى الوراء، لا نجد اسمًا يلمع في ذاكرة العرب كتلك البلاد الواقعة على تخوم الجزيرة العربية: اليمن. ليست مجرد أرض، بل حضارة متجذرة في قلب الزمان، تفيض بعبق الممالك القديمة: سبأ وحمير ومعين وقتبان. كانت اليمن يومًا درّة شبه الجزيرة، ومفترق طرق القوافل، وفيها سار النبي محمد صلى الله عليه وسلم في شبابه تاجرًا ضمن رحلاته، يعرفها ويعرف أهلها، ويجلّها.
جغرافيًا، اليمن كقصيدة مكتوبة على جبين الأرض، من الجبال الشاهقة في صعدة وذمار، إلى السواحل الدافئة في الحديدة وعدن، إلى الصحارى العميقة الممتدة نحو الربع الخالي. أرض غنية بالمياه الجوفية، بمواردها، بزراعتها، وخصوصًا البن الذي حمل اسمها إلى مقاهي أوروبا ذات يوم.
أما الناس، فأولئك اليمنيون الذين وصفهم النبي بأنهم “أرق قلوبًا وألين أفئدة”، عرفوا بالشجاعة والكرم، بالذكاء الفطري والحنكة السياسية. شعوب ذات أنفة، غنى بالثقافة، شعراء، مفكرون، أدباء، ومقاومون بالفطرة. لم تنكسر جباههم رغم القصف، ولا ركعت أرواحهم رغم الحصار.
لكن التاريخ، للأسف، لا يكتب دائمًا بيد الأنقياء. الحكام المتعاقبون على اليمن، سواء بفعل التبعية الإقليمية أو المصالح الضيقة، قادوا هذه الأمة إلى التراجع. سُرقت مقدّراتها، حُوصرت أحلامها، وتُركت في فقر مُصطنع لا يليق بها.
وفي زمن الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا التي تتسابق فيها الأمم نحو الفضاء، يقف اليمني بكل بساطة على أرضه، يحمل بندقيته، وصموده، وحرفه، وقصيدته، وكرامته. قد تراه يستخدم أدوات بدائية، لكنه لا يخضع. لا يشبه أولئك المنهارين داخليًا خلف شاشاتهم. بل يقف، ويتحدى.
اليمن، رغم جراحها، تُرعب أمريكا وإسرائيل. لا بترسانة نووية، بل بما هو أعمق: بالإرادة، بالتصميم، بالكرامة الراسخة التي لا تشتريها الأموال ولا تطمسها الأقمار الصناعية.
في اليمن، الذكاء ليس في الشريحة الإلكترونية، بل في ذلك الطفل الذي يكتب الشعر وهو جائع، في تلك المرأة التي تقاوم الفقد والوجع، في الشيخ الذي يزرع أرضه تحت القصف. إنهم بدائيون، كما يصفهم المتعجرفون، لكن بدائيتهم أصلية، عنيدة، مؤلمة في وقعها على من توهّم أنه يسيطر على العالم.
تحية لليمن، الماضي والمستقبل، السيف والقلم، الأرض والسماء .