واع / الشرق الاوسط والديمقراطيات المسخ!

بقلم / كفاح محمود كريم

[email protected]

واع / متابعة

في عموم الشرق الاوسط ومنذ تأسيس كياناته السياسية ناضلت القوى السياسية، من أقصى اليسار الى أقصاها في اليمين، من أجل الديمقراطية في دول أنتجتها توافقات غربية ومصالح الدول المنتصرة في الحربين الأولى والثانية بعيداً عن إرادة شعوب المنطقة وخياراتها، ورغم الكم الهائل من الخسائر الفادحة التي منيت بها تلك القوى، إلا أنها لم تحقق الحد الأدنى لطموحاتها في تحويل تلك الكيانات إلى دول مواطنة يتمتع فيها الإنسان بحريته الكاملة في الرأي وتقرير المصير والعقيدة والانتما، ولعل تجارب لبنان وتركيا وإسرائيل هي الأكثر قرباً مما كانت تطمح إليه تلك القوى، إلا أنّها للأسف اصطدمت بإرث هائل من تراكمات قبلية ودينية ومذهبية جعلتها وبعد سنوات ليست طويلة في حقل الفشل الذريع، حيث تمزق لبنان بين القبائل والطوائف، بينما غرقت تركيا في عنصرية تسببت في مقتل وتهجير ملايين الارمن والكورد على خلفية مطالبتهم بأبسط حقوقهم الأنسانية والديمقراطية، وفي إسرائيل التي بشّرَ الكثير من مفكريها وسياسيي الغرب بأنها ستكون نموذج الديمقراطية في الشرق الأوسط، فإذا بها تتحول إلى دولة دينية عنصرية مقيتة في تعاملها مع سكانها من غير اليهود.
في بقية دول الشرق الاوسط وبعد حقبة مريرة من الدكتاتوريات الحزبية والفردية ولمصالح إقليمية ودولية استطاعت النفوذ إلى داخل تلك الدكتاتوريات واختراق جدرانها الداخلية مستغلة العداء الشعبي لتلك الأنظمة ودعمها بشكل كبير وصل إلى مستوى استخدام القوة العسكرية، كما حصل في كل من إيران والعراق وليبيا واليمن وسوريا، حيث تدخلت الدول العظمى بشكل مباشر في إسقاط هياكل تلك الأنظمة أو تدجينها ومن ثم الانتقال الى استساخ تجاربها الديمقراطية في مجتمعات لا تتقبل هذا النمط من الحياة لأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها هنا، فقد ساد الهرج والمرج في برلمانات ما بعد الدكتاتوريات التي أسقطتها الولايات المتحدة والتحالف الدولي، وغدت تلك البرلمانات مجالسا للقبائل والمذاهب والمال السياسي الداخلي منه والخارجي، في دول تحبو باتجاه تأسيس دولة للمواطنة تقوم على أعمدة الديمقراطية الغربية، في مجتمعات شرقية تعتمد في اسس بنيتها التربوية والاجتماعية على الرمز الفردي وحكمه، ابتداء من الأب ومروراً بشيخ العشيرة وإمام الجامع ومختار القرية والزعيم الأوحد، المتجلي في رمز الأمة والمأخوذ من موروث مئات السنين أو آلافها بشخص عنترة بن شداد أو أبو زيد الهلالي أو الزعيم الأوحد أو ملك ملوك أفريقيا أو القائد الضرورة أو سلطان زمانه، حيث أدمنت معظم هذه الأنظمة وأحزابهم التاريخية العظيمة برلمانات من نمط (أموافج- موافق) كناية بالتبعية المطلقة لرأي القائد والملك، كونهما يمتلكان سلطة الدنيا والآخرة.
واليوم بعد أن أزالت الولايات المتحدة وحلفائها هياكل تلك الأنظمة الشمولية، مدّعية أنّها تعمل من أجل إقامة نظم ديمقراطية على أنقاض تلك الخرائب، دونما إدراك للكم الهائل من الموروثات التربوية والاجتماعية والعقائدية والسياسية، في مجتمعات تعاني أصلاً من الأمية بشطريها الأبجدي والحضاري، وما تزال تعتبر القبيلة والعشيرة ورموزها أهم ألف مرة من الشعب والدولة، وكذا الحال بالنسبة للدين والمذهب حيث لا ينافسهما أي انتماء، والغريب أنها لم تدرك كيف ستكون مؤسساتها الدستورية والديمقراطية وآلية انتخاب أعضائها، وما حصل عندنا في العراق، وبالتأكيد هو ذاته في ليبيا واليمن وسوريا لاحقا وبقية دول المختبر الديمقراطي هو ذاته الذي كان يستخدمه من قبل زعماء الدكتاتورية وأحزابها، حيث يتم تجييش القبائل والعشائر والرموز الدينية والمذهبية، وبتمويل من الكتل والأحزاب لإيصال مجموعة من الأصنام إلى قبة البرلمان مقابل امتيازات مالية، وهذا ما حصل فعلاً منذ 2005 ولحد آخر انتخابات في العراق، حيث يذهب إلى تلك المقاعد مجاميع من الأشخاص الذين يدعمهم الحزب أو الكتلة بإسناد عشائري وديني أو مذهبي يذيب شخصية المرشح، بحيث لو أنه تجرأ وترشح بنفسه دونما دعم لتلك المؤسسات، لما حصل إلا على أصوات عائلته وبعض أقربائه.
ورغم إن الكثير يعول على انتخابات العراق المبكرة التي جاءت لأطفاء شعلة انتفاضة تشرين، الا ان الاليات والاحزاب والمؤسسات التي تستخدم في التحضير لتلك الانتخابات لا تبشر بتغيير جدي ومهم في طبيعة العملية السياسية، ولا اعتقد بأن البرلمان القادم سيختلف عن دوراته السابقة الا بهيمنة الفصائل المسلحة والميليشيات التي ستحيله الى (مجلس قيادة ثورة) جديد!