واع / البرامج الحوارية والتهريج الأعلامي!

بقلم :كفاح محمود كريم

[email protected]

واع / متابعة

قبل أيام، أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات في العراق، كتاباً موجهاً لوسائل الإعلام تضمن 11 شرطاً في اختيار الضيوف المحاورين في البرامج، وشملت تلك الشروط بحسب الكتاب المعمم لوسائل الإعلام وخاصةً القنوات التلفزيونية “استضافة ذوي الاختصاص والكفاءة العالية وعدم استضافة أفراد مجهولين”، ولم تتطرق تلك الهيئة إلى البرامج ذاتها أو مقدميها الذين اسسوا لهذه الفوضى وهذا التهريج الإعلامي، فقد لوثت تلك البرامج ومقدميها مزاج الأهالي وكرست ثقافة إعلامية بائسة أساسها التشنج والعدائية والتسقيط، بل استخدمت أساليب في الحورات أقل ما يُقال عنها إنها تنافس تحقيقات ضباط الأمن والمخابرات في الأنظمة الديكتاتورية، مستهدفةً من خلال تلك الحوارات التسقيط والتشويه وإشاعة الكراهية والأحقاد بين المكونات.

لقد تراقصت في سماوات الإعلام العراقي ونافوراته بعد سقوط نظام الحنفية الواحدة وفكرة القناة الأولى والثانية والإذاعة المركزية والصحيفة الوحيدة، العشرات من القنوات التلفزيونية الفضائية إن لم تكُ أكثر، لكن المثير بل المفجع هو هذه الفوضى العارمة وهذا التكاثر الانشطاري الوبائي في تلك الوسائل، حتى أصبح العراق واحداً من أكثر دول العالم في عدد إذاعاته وصحفه وقنواته التلفزيونية وبرامجه الحوارية، التي تفوح منها أنواع من الروائح المثيرة والصراخات التهييجية التي تحولت إلى مسرح لإبراز عضلات بعض مقدمي البرامج السياسية المتغولين بنرجسية مقززة تغطي سطحيتهم المهنية، حيث يمارسون دور الحريص على الأمة والوطن والناطقين باسمه مع مجموعة ممن تطلق عليهم تلك القنوات بالمحللين الاستراتيجيين أو الخبراء الاستراتيجيين في مختلف الاختصاصات، فتراه ضابطاً عسكرياً لا يفقه ألف باء السياسة يتحدث باستراتيجية في الوضع السياسي للبلد، علماً إن الجميع يعلم إن الأغلبية المطلقة من الضباط حتى 2003، لا يهتمون بالثقافة السياسية إلا ما يسمح لهم حزب السلطة في حينها، وكذا الحال في العديد من المحللين السياسيين الذين ينبرون كخبراء أمنيين أو عسكريين أو اقتصاديين، وفي بيئة مثل هذه تتكاثر فيها منظمات المجتمع المدني وقنوات التلفزة كتكاثر اليوغلينا والاميبا دونما حدود أو ضوابط أو سقف أكاديمي أو مهني في حقيقة تلك المراكز والفضائيات، حيث يتم إشاعة واستخدام مصطلحات إعلامية وسياسية وأكاديمية فارغة من محتواها، ومن أهمها مصطلح الاستراتيجي كتوصيف لمحللين أو خبراء عسكريين أو جمعيات ومراكز ومجموعات على شاكلة المجموعة الفلانية للدراسات الإستراتيجية أو معهد فلان للدراسات الديمقراطية الاستراتيجية وهكذا دواليك، حتى تحولت كثير من التفاصيل التكتيكية إلى استراتيجية، خاصةً وأنها أثبتت نجاحها كوسيلة ارتزاق لجمع داعمين تكتيكيين أتقنوا فن اللعب على الحبال أو على الثلاث ورقات حسب توصيف الأخوة المصريين، والغريب إن وسائل إعلام مهمة يفترض أنها تضم متخصصين في السير الذاتية لمن يستضيفونهم، يشاركون هؤلاء المشوهين مهنياً في جريمة تلويث الرأي العام وتسطيحه وتخديش حياء المجتمعات بادعاءاتهم ودعاياتهم التحليلية التي لا تمت للمهنية أو الحقيقة بأي شكل من الإشكال، بل أنها نتاج أفكارهم ومصالحهم ومن يسخرهم لخدمة تلك البرامج التي أصبحت ابواق دعاية لشخصيات أو أحزاب ممن تُجيد قضم أكتاف السياسة والتسلق إلى مقاعد المناصب في البرلمان والحكومة في كرنفالات الانتخابات المعاقة في نزاهتها ومواطنتها وفي مستوياتها الثقافية والوطنية.

إن العلة الكبرى ليس في المستضافين فقط، بل بأولئك الطارئين على الإعلام وخاصةً الحواري منه من معدي ومقدمي تلك البرامج التي أصبحت منابر للتسقيط والتشويه والبذاءة والشتائم في الحوار، وكان حريٌ بهيئة الإعلام أو أي سلطة تنظم هذه الوسائل أن تضع شروطاً مهنية للبرامج ومقدميها، وأن تسأل عن ممولي تلك القنوات وبرامجها والهدف من إشاعة هكذا ثقافة وسلوك عدواني لا يعتمد على أي أسس تربوية ولا أخلاقية ولا مهنية في تقديم الحوارات والمناظرات، لا أن تكتفي بمجموعة شروط لمواصفات ضيوف تلك البرامج متناسية مقدمي تلك البرامج ممن يديرون الحوارات السياسية أو الفكرية التي تحولت إلى أبواق للدعاية والنرجسية التي تُشيع السفاهة والثرثرة الفارغة، ناهيك عن التهييج الطائفي والعنصري.