واع / يا شيوخ عشائر العراق لا تهدروا مكانتكم/آراء حرة /ضياء المياح


حينما يكون القانون واضحا في معانيه وصريحا في مقاصده وصارما في تطبيقه على أيدي رجال قانون أكفاء بوجود أجهزة تنفيذية صالحة، يأخذ الأفراد حقوقهم وينال المسيئون جزائهم. وإذا ما أختل ركن أو أكثر من هذه الأركان، حدثت الفوضى وعَمَ الخراب وانقلبت الموازين وأنقسم المجتمع إلى طبقات متفاوتة ليندرج الناس ضمن فئات متناقضة. فالناس نوعان؛ نوع يخاف الله وآخر يخاف عبد الله. فمن يخاف الله لا يخاف عبد الله ومن يخاف عبد الله لا يخاف الله. فيستنجد صاحب الحق بمن يأتي له بحقه ويستبد صاحب الباطل بجبروته وظلمه. فيقف الناس وراء عشائرهم لتعيد للمظلوم حقا مسلوبا أو لتنصر ظالما في غصبه لحقوق الاخرين.
مواقف مشرفة كثيرة يسجلها التاريخ لعشائر العراق وشيوخها الاجلاء. موقفان كبيران يتصدران كل المواقف ويطرزان عناوين الغيرة والشهامة والشجاعة. أولهما؛ ما قامت به عشائر العراق من دور كبير في ثورة العشرين في أوائل القرن الماضي. وثانيهما؛ دورها الأكبر الذي قامت به بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003. إذ كانت هذه العشائر مصدا صلبا ضد من يخاف عبد الله وقاومت الفوضى العارمة التي حصلت إثر انهيار البلد وتداعي الأجهزة الرسمية في بلد بلا حكومة تتلاعب به قوات الاحتلال الغاشمة محدثة فرهودا كبيرا كاد أن يسري عميقا وطويلا. وفي أولوية سابقة لدور العشائر، كان البعد الديني سندا روحيا لمن يخاف الله ولم يقحم نفسه أو يدنس يده في ما حصل من جرائم السرقات والاعتداءات والجرائم التي حصلت عام 2003 وما بعده.
مر تاريخ عشائر العراق بمراحل متعددة ومتنوعة تبعا لما حل بالبلد من تغييرات سياسية واقتصادية. وشهدت تسعينات القرن الماضي بروز أفراد أدعوا المشيخة وسموا في حينها بشيوخ التسعينات، وهم بعيدين عنها نسبا وأخلاقا وسلوكا. ثم جاءت مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي لتظهر لنا مسوخا أدعوا المشيخة واستخدموها مهنة يرتزقون منها ويتواجدون في مقاهي أو مقار عمل بغية التعامل والتفاوض على سعر المهمة المطلوبة من الشيخ ، فاختلط الحابل بالنابل.
عندما تختلف الآراء وتتصارع التوجهات وتتناحر الإرادات، تسوء الأمور وتزداد الحاجة إلى الحكماء والعقلاء إذا ما عجزت تطبيقات القانون على الحل الجذري للموضوع. وسيكون للشيوخ الأصلاء الدور الكبير والمميز في حل العٌقد والوصول إلى بر الأمان. ولكن كيف نميز الشيخ الأصيل عن التقليد؟
الشيخ الأصيل هو من تجده صادقا في كلامه ولا يكذب إذا ما وعد .. موفيا في عهده ولا يرجع عن كلمة حق قالها .. معطاء في قومه .. كريما لضيوفه .. طويل البال والخلق ويسعى للحل ويبتعد عن التعقيد .. يجمع أهله إليه ويقرب الناس لبعضهم .. يحب أن يعم الخير بدلا من الشر على أهله وخصمه .. يدافع عن حق خاصته ويرضى بحكم الحق إن كان عليه .. تذكره الناس دوما بحكمته ويقتدي الآخرين بسيرته. وإن وصفنا وعددنا صفات الشيخ الأصيل ومناقبه فلا تكفينا هذه الأوراق المحدودة، ولكن يكفي أن نستشهد بأن الناس إذا ما رأت إنسانا له من هذه المواصفات شيئا تقول أنما هو تربية شيوخ أو سادة دلالة على حسن الخلق والطباع.
فيا شيوخ العشائر حافظوا على مكانتكم التي حباكم بها الله ولا تهدروها لأي سبب، فأنتم مع الدين والعائلة والمدرسة أركان لمجتمعنا في هذا الزمن المسخ من الثقافات والأخلاق والقيم. إن مشيختكم مسؤولية وشرف فأحملوها بما تستحق. ولا تتغيروا ولا تتلونوا مع تغير الزمان وتلونه، فأنتم مصدا صلدا تمنعون انحدار المجتمع وضياع القيم والمتاجرة بالأخلاق. فلا تكذبوا قولا ولا تخلفوا وعدا ولا تبخلوا حقا أو مكانة لأحد ولا تباعدوا بين الناس ولا تسعوا للشر والأشرار واحكموا بالحق وابتعدوا عن الباطل ولا تكلفوا الناس مليارات الدنانير مما لا طاقة لهم بها كأحكام فصول عشائرية بدأت تظهر لفض النزاعات العشائرية.